المكان:الرميثية/الكويت
الزمان:كانون الثاني/يناير 1991

اشتعلت الحرب على أطراف مدينة الخفجي في المملكة العربية السعودية بين الجيش العراقي وقوات التحالف الدولي ضد العراق وأصبح الناس وأنا منهم ينتظرون ويراقبون الموقف على أحرّ من الجمر!وفي أحد تلك الأيام التي كنا ننتظر فيها ساعة حسم هذه المعركة كنت واقفاً على شرفة بيتي لقتل الوقت ليس إلا وإذا بـجيب عسكري عراقي قادم من بعيد باتجاهي وعندما راقبته أكثر وجدته يقترب مني رويداً رويداً فقلت في نفسي:هذه منطقة سكنية لا تحتاج لمثل هذا الجيب العسكري العظيم فلماذا هو قادم في هذا الصباح الباكر؟ربنا يُستر.

وبدأت أراقبه لأرى إلى أين يُريد أن يصل؟وإذا به يقف فجأة!مما جعلني أتسائل مع نفسي:أيعقل أنه رأى جندياً أمريكياً وأراد القبض عليه؟لكنني لم أر ولم أسمع عن أيّ إنزال أمريكي في حيّنا وعندما أمعنت النظر أكثر وإذا به يقف أمام صيد سمين بالنسبة له إنها سيارة BMW وما هي إلا لحظات حتى نزل من هذا الجيب ضابط كبير يُعلق على كتفه وصدره نجوماً ونياشين لو صُهرت وأعيد تشكيلها لبيعت في سوق النحاسين وقام بفك إطارها الأمامي الأيمن وحمله بين يديه ووضعه في الجيب وتابع طريقه وكأنّ شيئاً لم يكن.

سئمت من وقفتي على البلكون تلك وأحببت أن أغيّر المنظر ولم يكن أمامي من حل إلا أن أذهب إلى دوّار شارع عمّان في السالمية مشياً على الأقدام لأنه المكان القريب الوحيد الذي أصبح الناس يتجمعون فيه طوال النهار من أجل البيع والشراء بعد أن تحول هذا الدّوار إلى سوق كبير يعرض كلّ شخص فيه بضاعته وقد تصادف أن وصلنا الدوّار معاً أنا وحضرة الضابط الكبير بعد أن ركن سيارته العسكرية وبداخلها الإطار المسروق على جانب الشارع.

فوجئ الناس بقدوم مثل هذا الضابط الكبير إلى هذا المكان الشعبي فتوسّموا به خيراً وتحلقوا حوله وبدؤوا يمطرونه بأسئلة عن أحوال الجبهة المُلتهبة في مدينة الخفجي لعله يحمل لهم أخباراً سارّة فقال لهم هذا الضابط:لقد ذبحنا الكفرة!وسيصدر بيان لاحق من القيادة العامة للقوات المسلحة بذلك وسترونهم بأعينكم جيفاً مُقطعة أوصالها على شاشات التلفزة العالمية فأنا قادمٌ للتوّ من مدينة الخفجي لكن بمهمّة عسكرية خاصة وبعد أن أنجزتها أحببت أن أمرّ عليكم لطمأنتكم عن الأوضاع هناك ثم أعود لأواصل طريقي للشهادة فأخذ الناس يُكبّرون ويُهللون ويهتفون وتحمّس أحدهم وصاح بأعلى صوته:بالرّوح بالدّم نفديك أبو عُدي وبعد أن أنهى طالب الشهادة هذا كلمته الموجزة أخذ ما يُريد من السوق مجّاناً وذهب ليبحث له عن سوق آخر.
