
وصلت سلفيت مُتعباً مُرهقاً نتيجة للإجراءات الأمنية المُملة التي واجهتني على جسر العودة وما أن وصلت البيت حتى وجدت الأهل والأعمام والأخوال والأقارب والأصدقاء يلتفون من حولنا ومعهم أولادهم وبناتهم وعلى الفور انضممت إليهم في اللعب فنسيت التعب الذي كنت أشعر به والأهم من ذلك كله أنني وجدت من الأطفال من هم من جيلي كي ألعب معهم فأولاد عمي وأولاد خالي وأولاد عمتي كلهم من جيلي تقريباً فقد زهقت الوحدة التي كنت أعيشها في الكويت لأن إخواني كانوا أصغر مني بخمس سنوات.

في اليوم التالي ذهبت مع والدتي إلى مديرية التربية والتعليم في طولكرم لإحضار قبول إلى مدرسة سلفيت وإذا بهم لا يعترفون بالسنة التي قضيتها في الكويت بأنها سنة دراسية لذا كان لا بد من إخفاء شهادة الانتقال التي بحوزتنا وسيكون البديل هو دخول امتحان في المواد الدراسية الرئيسة وبناءً عليه يتحدد الصف الذي أُقبل به وهكذا كان فقد أدخلوني إلى اختبارات في جميع المواد الدراسية ونجحت فيها وسجلت في المدرسة ولم يفتني العام الدراسي.

كانت الانتفاضة الفلسطينية على أشدّها عندما ذهبت إلى المدرسة مشياً على الأقدام لأول مرة فأنا لم أعتد على هذا الوضع الجديد حيث كنت أذهب بسيارة والدي للمدرسة وأحضر معه والجديد كذلك أنني لا أجيد التصرف عندما يأتي الجيش الإسرائيلي ويقتحم المدرسة عندها أكون آخر الهاربين لأنني لا أعرف كيف أهرب؟وإلى أي مكان أهرب إليه؟مما اضطرني إلى أن أبقى ملازماً لابن عمتي الذي كان معي في الصف نفسه لكن الأهل كانوا يراقبون الموقف عن كثب فإذا قدم الجيش الإسرائيلي وتفرق الأولاد أجد أمي وعمي وخالي وجدي كلهم يبحثون عني ليوصلونني إلى بر الأمان إلى أن أتقنت لعبة الهرب وأصبحت من أول الهاربين.

أحببت الحياة والعيش في سلفيت رغم مضايقة الجيش الإسرائيلي وعلى الرغم من قصر المدة التي قضيتها هناك فأنا لم ولن أشاهد منظر التين هذا في أي مكان في هذا العالم ولأنها كانت أول تجربة لي أعيشها بين أهلي وأقاربي وفي بلدي حيث هنا أعرف الجميع والجميع يعرفني وما هي إلا أيام قليلة حتى بدأت فترة صعبة أخرى في حياتي أعادتني إلى المربع الأول فأنا لا أعرف أين سيكون المُستقَر؟هل سأبقى هنا في سلفيت أو أعود إلى عمان؟لكن من حسن حظي أن هذه الفترة لم تدم طويلاً فقد استدعانا والدي لنعيش معه في عمان بعد أن وجد العمل والسكن هناك.
