
لكل إنسان في هذا العالم مسقط رأس ـ ليس من إختياره ـ يستطيع الذهاب إليه في الوقت الذي يشاء إلا أنا فلا يسمح لي أن أرى مسقط رأسي ومرتع طفولتي وأيام صباي لكنني بعد أن تخرجت من الجامعة تشاء الأقدار أن أعمل مديراً للأسواق الخارجية لإحدى شركات الأدوية وكان من ضمن هذه الأسواق سوق دولة الكويت وبعد أن رتبت هذه الشركة طقوس زيارتي للكويت قلت في نفسي مع الشاعر الذي:وقد يجمع الله الشتيتين بعدما … يظنان كل الظن أن لا تلاقيا.

وعندما وصلتها بعد (خمسة عشر سنة) على فراقها وضعت أغراضي في الفندق بسرعة واستأجرت سيارة سياحية وطلبتُ والدتي عبر الهاتف من عمان كي أصف لها المنظر الرائع الذي كنت أراه أما لماذا والدتي؟فلأنها الوحيدة التي ستفهم عليّ ما سأقول فوالدي كان يعتبر الكويت صفحة في حياته (طويت) ولا يريد أن يفتحها ثانية وأصبح يردد بين الفينة والأخرى:أن سعادة المرء لا تكتمل إلا إذا كان رزقه في بلده أما إخوتي فكانوا صغاراً في السن لن يفهموا ما سأقوله لهم لو تكلمت معهم.

بدأت أصوّر كل شيء صوّرت الفندق الذي أقيم فيه في (دوار البدع) ثم ذهبت إلى (شارع الخليج العربي) وإلى (الواجهة البحرية) ثم ذهبت إلى (السالمية) وإلى (شارع عمان) حيث كنا نسكن وزرت بعض الجيران السابقين الذين لا زالوا يقيمون في الكويت من الجنسيات العربية الأخرى طبعاً غير الفلسطينية وفي الأيام التالية ذهبت إلى (الأسواق) و(المولات) و(الأماكن العامة) التي لم تكن موجودة أثناء إقامتنا في الكويت إلا أن الكويت عموماً لم تعد كما كانت في الماضي فقد تغيّر فيها كل شيءٍ بعد أن داهمها الجديد من البنايات العالية وأسدلت الستارة على القديم بحلوه ومره.
