
كنت وما زلت مغرماً في قراءة ما بين السطور أكثر من قراءة ما يكتب فوقها وفي قراءة ما يُرسم على الوجوه وفي العيون أكثر مما تنطق به الألسنة أحب كل هذا كي أمارس رياضة التفكير الناقد والتأمل الهادف والتمحيص والتدقيق في كل ما تسمعه أذناي وكل ما تراه عيناي مهما كان هذا الشئ صغيراً أو تافهاً في نظر الآخرين وكنت وما زلت إذا سمعت قولا أو رأيت فعلا أعرضه على عقلي أولا فإذا صدّقه عقلي وصادق عليه أعترف به وبقائله أما إذا لم يُقرّه عقلي ولم يقبله أرفضه فوراً مهما كان قائله أو فاعله.

ودخلت على هذه الدنيا قطعة من لحم وعظم ودم لا أعي شيئأ مما يدور حولي ثم حبوت على أربع واكتشفت وحدي ما استطعت اكتشافه وما أن بدأت أمشي على إثنتين واكتملت حواسي الخمسة حتى تعرضت إلى سيل من المفاهيم والتقاليد المتوارثة من جيل إلى جيل لم أفهم معظمها حتى الآن ولم تكن كل هذه المفاهيم خاطئة ولا كلها صحيحة لكنهم خلطوا لي الغث بالسمين فلم أعد أميز بين الخطأ والصواب في معظم الأحيان.

لكنني لم أجرأ على مناقشتهم بالخطأ خوفاً من إساءة فهمي لما سأقوله لهم لأن كثيراً من الناس لا يحبون أن يتعبوا أنفسهم ويقرؤوا ما بين السطور بل يكتفون بوضع خطوط حمراء يمنعوا غيرهم حتى من التحدث فيها أو مناقشتها ليريحوا أنفسهم من عناء التفكير ومن يجرؤ على حوارهم يكفرونه فوراً أو ينعتوه بالفسق والفجور ولن يفلت من عقابهم إلى الأبد.

ومن جملة ما لُقنت به في صغري كانت البسملة وكل ما أفهموني وفهمته منهم في ذلك الحين أن البسملة هذه يجب أن تقال قبل كل عمل سأقوم به وطلبوا مني أن أبسمل قبل تناول الطعام وعندما سألتهم عن السبب قالوا لي: إذا لم تبسمل يا هذا فسيأتي الشيطان ويشاركك في طعامك وبالتالي لن تشبع منه أبداً.
