
ما أن وصلت إلى مركز سفريات الشمال الواقع في منطقة طبربور في العاصمة الأردنية عمان وقبل أن أصل سيارة الأجرة التي ستقلني إلى نقطة الحدود الأردنية على جسر الملك حسين حتى كان في استقبالي وفد من تجار الشنطة المتواجدين هناك ليلا نهاراً لاستغفال من يمكن استغفاله من الناس البسطاء بعد أن يلبسوا تجارتهم بشئ من الإنسانية فيقول لك أحدهم أن هذا الطرد ما هو إلا دواء لشخص مريض والله وحده من يعلم ما يحتويه هذا الطرد فاعتذرت لهم في الحال وركبت السيارة وكنت آخر راكب فيها فانطلقت في الحال.

وبعد ساعة وصلت نقطة الحدود الأردنية على جسر الملك حسين وأنزلت حقيبتي من السيارة وسلمتها إلى حزام متحرك لتفتيشها دون أن أراها أو أفتحها وقام بوضعها في مكان بالقرب من باص مستعد للسفر ثم قمت بدفع الأجرة المستحقة لشركة الحافلات مقابل نقلي وأمتعتي إلى نقطة الحدود اليهودية ثم أعطوني رقماً قبل دخولي إلى قاعة المسافرين كي أنهي إجراءات السفر واندهشت أكثر عندما رأيت الناس تجلس على مقاعد وفيرة ينتظرون أرقامهم وتذكرت الماضي مجبراً بعد أن حاولت نسيانه!.

في الماضي كنا نسافر عند منتصف الليل وننتظر في العراء حتى الثامنة صباحاً ومعنا الزادة والزوادة وعلى أكتافنا أولادنا ومستلزماتهم وحقائبنا وأمتعتنا وعلينا تحميلها على ظهر الحافلة ثم تنزيلها عند الوصول ثم حملها إلى مسافات بعيدة ومما يزيد الطين بلة أن حافلات الأمس ليست كحافلات اليوم فحافلات الأمس كانت تحمل الأمتعة على ظهرها أما حافلات اليوم فهي تحمل الأمتعة في بطنها.

وبعد أن انهيت إجراءات السفر دخلت إلى السوق الحرة لشراء ما أحتاجه من سجائر واشتريت الحد الأعلى المسموح به عند الخروج من الأردن وهو كروزين فقط في حالة الدخول إلى الأردن يصبح العدد واحد ثم صعدت على سلم الحافلة التابعة لشركة جت والتي يقودها شاب وسيم بزيه الموحد الجميل وعندما امتلأت مقاعد الباص بالركاب تحرك فوراً ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عدد الركاب يساوي عدد كراسي الحافلة بينما في الماضي يكون عدد الواقفين أكثر بكثير من الجالسين.

وقبل أن نغادر الحدود الأردنية متجهين غرباً إلى فلسطين وإذا بالحافلات التي كانت قد سبقتنا في نفس الاتجاه تتجمع قبيل جسر العودة بأمتار قليلة لتنتظر دورها في الدخول تعجبت من كثرة عدد هذه الحافلات وكنت أجلس في المقعد الذي هو وراء السائق مباشرة فأردت أن أدير معه حواراً لعله يخفف عني عناء الانتظار فقلت له:لماذا كل هذا العدد الهائل من الحافلات؟فأجابني:عليك أن تعلم إذا كنت لا تعلم بأن المعتمرين من أبناء فلسطين يخرجون من بلدانهم يوم الأربعاء ويعودون إليها يوم الأحد من كل أسبوع واليوم هو يوم الأحد.

فقلت له:أليست وظيفتك مُملة؟قال:أنا مكاني ليس هنا أنا أسوق من العقبة إلى دبي لكن بعد أن حدث ما حدث في مصر امتنع السياح عن زيارتنا في الأردن فعملي هنا مؤقت حتى يعود الوضع إلى ما كان عليه قال هذه الكلمات وهو في طريقه للنزول من الحافلة كي يلتقي بزملائه السواقين ليسألهم عن المدة التي قضوها في الانتظار قبل أن يصلهم!.

فما كان مني إلا أن نزلت بعده مباشرة لرؤية المنظر الفريد الذي لن يتكرر فنحن نقف على الجسر مباشرة وفي الأحوال العادية لا يمكن أن يصل هذا المكان أحد فهي منطقة حرام لا يتجول فيها من ليس له عمل واجتمع السواق على الأرض وأخذوا يتحدثون مع بعضهم البعض ويرسمون الخطط للتعويض عن خسائرهم من هذا الانتظار الممل وعندما وصلنا منتصف الجسر تماماً وإذ بمجموعة أخرى من الحافلات تقف عند اليهود أكثر من تلك التي تقف عند الحدود الأردنية تنتظر التفتيش الأولي عند اليهود.

ما لفت نظري أكثر من المنظر نفسه وجود صنبور من الماء تحته مغسلة في منتصف الجسر بالضبط مما جعلني أسأل السائق لمن هذه المغسلة؟ومن الذي يستخدمها؟ومتى يكون ذلك؟فقال لي السائق:لا أعلم وأخذت الحافلات أرقاماً بالتتابع وأعلن السائق لمن حوله من الركاب أن من لا يحمل معه أمتعة ويريد أن يغير حافلته إلى حافلة متقدمة فله ذلك شرط أن يكرم السائق الذي سيفتح له الباب فطلب منه شخصان حققا هذه الشروط فاتصل بالسائق الذي يقترب من رأس الطابور وفتح لهما الباب الخلفي وأكرماه بثلاثة دنانير للراكب الواحد وبعد أن تمت هذه العملية تقاسموا المبلغ فيما بينهم.
