
حرّاس الحدود العربية ليس لهم علاقة بالشعارات القومية التي ترفعها حكومات دولهم في عواصمها، وليس مطلوباً منهم تطبيقها في مواقع اختصاصهم، فبعد أن هزموا العدو الصهيوني في البحر والبر والجو لم يبق أمامهم إلا أن يهزموه على أغلفة جوازات السفر للمسافرين الفلسطينيين علهم يجدونه، وقد يجدونه فيفرحون، أما عن ماذا يبحثون؟ هم يبحثون عن مادة صمغية على غلاف جواز السفر المطلوب فإذا وجدوها وجدوا ضالتهم فهذا يعني أن صاحب هذا الجواز قد زار فلسطين بغض النظر إن كان صاحب هذا الجواز طفلاً أو شيخاً أو عجوزاً أو حتى لو كانت إمرأة، وعلى صاحب هذا الجواز أن يعود إلى المكان الذي قدِم منه بغض النظر عن المعاناة والتكاليف المادية.

وعندما وصلنا نقطة الحدود السورية أخذ الدليل جوازات السفر للمجموعة وذهب بها إلى الموظف لختمها وقد ختمها جميعاً إلا جواز سيدة عجوز كانت معنا من مواليد مدينة نابلس فقد أصرّ هذا الموظف على أن تحضر هذه العجوز أمامه ليراها بعينيه وعندما حضرت قال لها: هل أنت من مدينة نابلس؟ قالت له: نعم قال لها: هل ذهبت إلى نابلس؟فتدخل زوجها وقال له: نحن نعيش في دبي ولم نذهب إلى نابلس، فقال لها الموظف: أنت كبيرة في السن والكذب حرام، اعترفي أنك كنت في نابلس وأسامحك ولم تعترف العجوز بما يريد واستمر الحوار بينهما إلى أن تدخل الدليل بطريقته الخاصة عندها سمح لها هذا الموظف بالدخول.

انطلق الباص متجهاً إلى لبنان عبر الأراضي السورية وسلك طريقاً خارجياً دون أن يمر بالمدن السورية، ونام كل من هم في الباص بعد أن غنّوا وصفقوا ورقصوا على كل أغنياتنا العربية بأنواعها المختلفة دون أن يعلموا ماذا يغنون؟ وماذا يقولون؟ أما أنا ففتحت جهاز الراديو الموجود في جهاز الموبايل وبدأت أبحث عن محطات جديدة لم أكن أسمعها في الأردن، وبقيت هكذا إلى أن وصلنا نقطة الحدود السورية مع لبنان.

نزل الدليل ومعه جوازات السفر وإستيقظ من كان نائماً من ركاب الباص، ونزلت من الباص فوجدت زرافات من العمال السوريين الذاهبين إلى لبنان مشياً على الأقدام، وكان كل واحدٍ منهم يحمل أغراضه الشخصية على كتفه ومعه بطاقة الخروج المدفوعة الثمن لختمها ودخول لبنان، فتجولت بينهم وتفحصت وجوهم فوجدت الغربة وقسوتها والطموح والتغلب على المصاعب معجوناً بالسرعة، فالكل يريد أن يفوز بالمركز الأول في الخروج وحاولت أن أتكلم مع بعضهم فلم أفلح لأن الدليل كان قد ختم الجوازات وصعد الركاب إلى الباص من دوني وهم يطلبونني في الحال.

سار الباص مسافة لا بأس بها في أرض زراعية خالية من السكان بين سوريا ولبنان إلى أن وصلنا نقطة الحدود اللبنانية من جهة سوريا وهي بلدة المصنع، والتي كانت قرية زراعية صغيرة أرضها خصبة ومياهها وفيرة لكنها تحولت إلى مكاتب وشركات تخليص بضائع وتأمين وأصبح كل من في هذه القرية يعمل بالتجارة وتركوا الزراعة لأصحابها فالتجارة أسهل وأكثر دخلاً لهم.
