كسروا هيبة المعلم


_00_0__0
كل إدارة تجبر المعلم أن يغير لونه ويتلون بلونها

كسروا هيبة المُعلم وأصبح هذا المعلم المسكين مُطارداً من قبل الجميع مطارد من قبل  الإدارات المدرسية المُتعاقبة فكلّ إدارة تأتي تنسف ما بنته الإدارة التي سبقتها وتلوّن المُعلم بلونها الجديد وعندما تذهب هذه الإدارة وتأت إدارة جديدة غيرها يضطر هذا المُعلم أن يُزيل لونه القديم بنفسه ويلوّن نفسه بلون الإدارة الجديدة ولك أن تتخيّل كم مرة تتغيّر هذه الإدارات في المدرسة الواحدة؟وكم مرة يقوم المُعلم بتغيير لونه أمام طلابه مما أفقده مصداقيته أمامهم؟.

images_bmjx
يُريد الطالب أن ينجح وبأي طريقة كانت

وأصبح المُدرس مُطارداً أيضاً من الطالب نفسه فهو لا يُريد أن يسمع ما يقوله المُدرس في المدرسة ولا يُريد أن يدرس في البيت لكنه يُريد أن ينجح وبأي طريقة كانت أما وليّ أمر الطالب فيُقنع نفسه بأنه يدفع على ابنه مبالغ طائلة في المدرسة ويُوفر له كل شيء من مُستلزمات تعليم هذه الأيام فهو يُرسله إلى المراكز المُختلفة ويُحضر له العباقرة من المدرسين الخصوصيين ويدفع لهم المبالغ الطائلة وبالتالي له الحق في أن يرى أولاده من المتفوقين أما إذا حصل العكس فسببه يكون مُعلم المدرسة فقط لا غير.

12728783_1307985722561125_8588923053983644609_n

وأصبح المُعلم فوق ذلك هو الحلقة الأضعف بين موظفي المدرسة فيُكلفونه بأعمال السكرتارية فعليه أن يجمع الصور والرسوم وطلبات دفاتر تأجيل خدمة العلم وطلبات وشراء الكتب للطلبة ويقوم بأعمال كل المهن المساعدة الأخرى ممّا قد يُعرضه للمُسائلة فيما لو حصل خطأ ما وأحياناً يدفع من جيبه الخاص ثمن هذا الخطأ وأصبح المُعلم يقف أمام الطالب في مراكز الشرطة وقد يكون رئيس المركز أحد طلاب هذا المعلم وقد التقيت مرة مُوجهاً كبيراً في وزارة التربية يمدح نفسه ويشكر الله على أنه لم يدخل مركزاً للشرطة قط عندما كان مُعلماً لكن زملائه جميعاً دخلوها مراراً وكان هو الذي يتكفلهم.

36169

وأصبح المُعلم مُطارداً من الصحف اليومية ونادراً أن يخلو عدد من صفيحة يومية من مُشكلة صنعها معلم لطالب غلبان وإذا لم يجدوا مُشكلة عندنا يستعيروها من الأخبار العالمية وقد تمكن التلفاز أيضاً من منافسة هذه الصحف اليومية لا بل تفوق عليها بعد أن أصبح يقف مع الضحية الطالب بالصوت والصورة حتى أن المُعلم لم يسلم من الفن والفنانين فها هي مدرسة المشاغبين وأبطالها قد أصبحت مثلا يحتذى به لطلابنا من المحيط إلى الخليج فنكون بذلك قد وحّدنا أمتنا العربية على الاستهزاء بالمعلمين كمقدمة للوحدة العربية الكبرى وكلما نسيها جيل تقوم هذه المحطات بتذكيره بها في الأعياد والمناسبات الرسمية وما أكثرها.

Lets-have-conversation
أصبحت محطات البث الإذاعية تدلنا على المدارس الجيّدة والمُدرسون الجيّدون الذين يدفعون لهم ثمن الإعلان

وأخيراً ساهمت محطات البث الإذاعية الجديدة وألقت بدلوها هي الأخرى في حقل التعليم ولكن بطريقة مُختلفة وأصبحت تدلنا على المدارس الجيّدة والمُدرسون الجيّدون الذين يدفعون لهم ثمن الإعلان من خلال عرضهم لبرنامج اسمه أستاذ على الهوى يمدحون فيه كل من يدفع لهم أكثر بعد أن يُجهز هذا الأستاذ جوقة من أولاده وزوجاته وجيرانه وأقاربه ليكيلوا له المديح على الهواء مباشرة وتساعدهم المُذيعة بعد أن تتحمس فتطلق على من يدفع ألقاباً ما أنزل الله بها من سلطان مثل أصغر مدير في العالم العربي وملك الرياضيات في الشرق الأوسط الجديد وقاهر الكوفيين والبصريين في النحو والصرف وغير ذلك من الألقاب التي لو استمعت إليها لعشت سوق عكاظ جديد.

403044964_352660880

وقد تفنن المسؤولون من خارج الميدان وجعلوا المُعلم حقلا لتجاربهم واخترعوا له أعمالا كتابية أثقلوا عليه بها ليقال عنهم أنهم يُطوّرون في مهنة التعليم لكن الخلل يأتي من المُعلم نفسه الذي لا يستخدم استراتيجياتهم التي يضعونها له ولكي يظهروا أنفسهم أمام مسؤوليهم بأنهم مُطوّرين ونسوا أو تناسوا أن من يُطور هو الميدان نفسه وقد سمعت أخيراً وليس آخراً عن الخط الساخن الذي تنوي الوزارة تركيبه في المدارس كي يتصل منه الطالب إذا تحرّش به أستاذه وأنا بدوري أقول للوزارة ما عليها إلا أن تنتظر سنوات معدودة وستركب خطاً ساخناً آخر ولكن هذه المرّة للمعلم إذا تحرّش به الطالب.

c3b8c2aac3b9e2809ac3b8c2afc3b9c5a1c3b8c2b1-c3b8c2b7c3b8c2a7c3b9e2809ec3b8c2a81
كتب شكر وهمية تعطى للطلاب 

وأصبح همّ الإدارات المدرسية التعرّف على وليّ أمر الطالب بدلا من الطالب نفسه فاذا كان والده في مركز مرموق يجلسوه بينهم ويشركوه في قراراتهم ويخترعون له مجالات التفوق الكاذبة ويشبعوه من شهادات الشكر والتقدير والجوائز والمكافأت لأسباب عدة منها اتقاءاً لشره أولاً وللحصول على خدماته بشكل أو بآخر ثانياً أو قد يُحتمى به في يوم من الأيام عندما تهب عليهم رياح التغيير ثالثاً ويحدث كل هذا وأساتذتهم مركونون على الرف.

dsc03769
ألغوا القيام والجلوس بفتوى دينية 

كان في الماضي القريب يُقام للمعلم ويُقعد والقيام للمُعلم لا يعني استعباد للطالب كما فهم أو كما يدّعي البعض لكنه يعني أن يترك هذا الطالب كل شيء بيده ويُغلق على ما يدور في رأسه من أفكار لا تعني المعلم القادم ليستمع للحصة وأما القعود فيعني أن الطالب أصبح مُستعداً لتلقي الحصة فألغوا القيام والجلوس للمُعلم بفتوى دينية لا تنطبق إلا على هذا المعلم فقط بدليل أنهم ما زالوا يقومون ويقعدون لجميع المسؤولين الآخرين.

img_1394328115_146
المدير يقرر موعد الإمتحان ويلغيه إذا إحتج الطلاب 

أذكر وأنا في المرحلة الابتدائية عندما كان الأستاذ يسأل طالباً في جدول الضرب مثلاً ولا يعرف الجواب كان يقول له اجمع كتبك ويُنزله صفاً أو صفين إلى أسفل ولم أسمع من كان يجرأ على الاحتجاج أما اليوم فقد سلبوا من المُعلم صلاحياته فالمُدير يُقرّر موعد الامتحان ويُلغيه إذا احتج أحد الطلاب على موعده وهو الذي يُقرّر إعادة الإمتحان ويتدخل في نتيجة هذا الإمتحان لصالح الطالب حتى أنه يُملي على المُعلم علامة السلوك للطلبة وليس مُربي الصف.

3038_6_29_82
أجبروا المعلم على حملها إما بين يديه أو في صندوق 

أما أداة التعليم الأبدية وهي مسّاحة اللوح فيقوم أحد الطلبة بإخفائها مُتعمداً فيستعير المعلم مسّاحة من صف مُجاور فيخفيها الطالب هي الأخرى وتتكرر هذه العملية إلى أن يصبح في الطابق الواحد مسّاحة واحدة ومثل هذا الموقف لا يعني الإدارة بشئ لأن ضبط طلابهم سيُخفف من شعبيتهم فتفتقت قريحتهم بإصدار فرمان يُلزم كل مُعلم بحمل مسّاحته وطباشيره معه فيقوم المُعلم بكتابة اسمه على مسّاحته خوفاً من استعمالها من قبل زميل له وهم بذلك استطاعوا أن ينقلوا المشكلة من الطالب إلى المعلم ويجبروه على حملها إما بين يديه أو في صندوق أو علبة ولك أن تتخيل المنظر.

d8add985d8a7d985d8a9
حارس البستان 

ولا ننس صورة المُعلم في الأفلام المصرية القديمة فقد جرت العادة على أن تكون صورة هذا المعلم مُشوشة ومُحبطة ومُتخلفة ولا تعيش في هذا العالم بل تعيش في عالم آخر وصاحب شخصية تُقاد ولا تقود فكان لكل هذه الأسباب وغيرها الكثير أن جعلوا من شخصية معلم المدرسة أقل شأناً من حارس البستان فحارس البستان يا سادة على الأقل تهابه الطيور الضعيفة أما المعلم في هذه الأيام فلا يهابه أحد لا بل أصبحت الصقور تحط فوق رأسه وتسخر منه.

 

 لماذا تركت مهنة التعليم؟

أضف تعليق