المكان:الزرقاء
الزمان:آب1991

جهزتُ نفسي لمغادرة الكويت نهائياً بعد أن حصلت من وزارة التربية الكويتية على شهادات إنتقال لأولادي إلى خارج الكويت تفيد بعدد السنوات التي درسوها في عهد دولة الكويت فقط أي أن الكويتيين لم يعترفوا لأولادنا بالسنة الأخيرة التي كانوا قد قضوها عندهم في الهم والغم وهي السنة الدراسية التي تم إحتلال وتحرير الكويت فيها وعندما حضرت إلى الأردن وجدتهم قد إعتمدوا أوراق الكويت الرسمية وبالتالي سوف لن يعترفوا هم أيضاً بالسنة التي درسها الأولاد في عهد الرئيس صدام حسين.

وهنا وقعت في حيرة كبيرة من أمري فكلّ من حضر من الكويت وأبرز شهادة إنتقال كويتية لأولاده خسّرهم سنة دراسية من أعمارهم فتأثرت من هذا الموقف وقلت في نفسي:ألم يكتفوا بخسائرنا المادية والمعنوية؟ يريدون أن يسرقوا منا سنة دراسية من عمر أولادنا الذين هم أطفال صغار لا ناقة لهم ولا جمل بما حصل؟وانشغلت في هذا الموضوع بيني وبين نفسي وتخزن الموضوع في عقلي الباطن دون أن أدري متى سيخرج ليرى النور ثانية؟.

وبينما كنت جالساً أتقبل العزاء بوفاة أحد أقاربي في مدينة الزرقاء وإذا بهذا الموضوع يعاود الظهور مرة ثانية لكن على شكل فكرة خطرت ببالي لا أعلم إن كانت سترفع الظلم عن صغاري أم لا؟أما هذه الفكرة فكانت أن أدّعي فقدان شهادات الإنتقال وأرمي بالكرة في ملعب وزارة التربية والتعليم الأردنية وعلى الله الإتكال وأردت في الحال أن أختبر إمكانية نجاح هذه الفكرة الآن وليس غداً فقلت لأبي محمد الذي كان يجلس بجانبي:أيجوز للإنسان أن يكذب؟قال أبو محمد:لا فقلت له:ولو لجلب منفعة قال:لا فقلت له:حتى إذا وقع على الإنسان منا ضرر سبّبه له أناس آخرون؟.

فقال أبو محمد:أدخل في الموضوع دون لفّ ولا دوران فقلت له:أريد أن أسجل أبنائي في المدرسة دون أن أبرز شهادات إنتقالهم وسأدّعي فقدانها لأنه بغير ذلك سيخسر أولادي سنة دراسية من أعمارهم ويصبحون بذلك كفريق كرة قدم خسر المباراة دون أن يلعبها فسخر أبو محمد من هذه الفكرة وكاد أن يضحك لكن المكان الذي نحن به لا يسمح له بذلك ومع هذا إبتسم قليلاً وقال:باختصار شديد لن يُسجلوا أولادك في المدرسة دون أن يكون معك شهادات إنتقال لهم من الكويت فلا تتعبني وتتعب نفسك فلو كان هذا الحل يُفيد لجرّبه من كان قد حضر قبلك.

لم أقتنع بما قاله لي أبو محمد هذا وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى مديرية التربية والتعليم في مدينة الزرقاء وقلت للموظف المٌختص لقد فقدت شهادات إنتقال أولادي في الطريق ونحن قادمون من الكويت إلى عمان فقال لي الموظف:ولماذا أنت غاضب ومكتئب؟لتذهب هذه الشهادات إلى الجحيم ما عليك إلا أن تحضر لي جواز سفر يحمل أسمائهم وتواريخ ميلادهم وعندها سأضعهم لك في الصفوف التي يستحقونها.

لم أصدق ما كنت سمعت من هذا الموظف فذهبت مسرعاً إلى البيت وأحضرت جواز السفر المطلوب وأعطيته للموظف وقام بوضع كل واحد منهم في الصف الذي يستحقه بناءاً على تاريخ ميلاده لكنه إشترط عليّ أن أوقع على تعهد بأن يدخل كل طالب منهم إمتحاناً في جميع المواد الدراسية للصف الذي سجله فيه كي تتأكد المدرسة من أنه وضع في الصف الذي يستحقه.

شكرت هذا الموظف وأعربت له عن وافر إمتناني له على ما قدمه لي من خدمة سوف لا ولن أنساها وقمت بتوقيع ذلك التعهد الذي طلبه مني وأخذت ورقة قبول من مديرية التربية والتعليم إلى المدرسة التي أنوي أن أضع أولادي فيها وكانت هذه الورقة تفيد بقبول أولادي في الصفوف التي يستحقونها بشرط أن يخضعوا إلى إمتحان مستوى في جميع المواد الدراسية في الصفوف التي قبلوا بها وبعد أن قدمتها إلى مدير المدرسة قال المدير:اليوم هو الخميس والدوام قد أصبح في نهايته خذ أولادك معك وأحضرهم معك يوم السبت ليدخلوا إمتحان المستوى المطلوب.
