
شيخ كبير في السن يرتدي زيّاً كزيّ والدي وقفت له بسيارتي في حيّ ماركا الشمالية دون أن يطلب مني ذلك فركب بجانبي ومظاهر التعب بادية على وجهه من طول الإنتظار وعلى الفور تذكرت صمت والدي عندما كان يحترمه الناس فقد كان رحمه الله يصمت ولا يُتقن مجاملتهم لكن مظاهر السرور كانت تبدو على مُحيّاه وبعد أن ركب معي وانطلقنا أشار لنا ثلاثة رجال كانوا يقفون في بداية مخيم شنلر فوقفت لهم وركبوا معنا فازداد الشيخ سعادة.

وعندما وصلنا مدينة الرصيفة وإذا بأحدهم يقول لي: قف عندك بلهجة الأمر فوقفت له ونزل من السيارة دون أن يقول لي كلمة شكراً وما أن تحركت السيارة عدة أمتار أخرى وإذا بآخر يقول: قف عندك وقالها في مكان لا أستطيع فيه الوقوف ولا التوقف أدار الشيخ وجهه نحو هذا الراكب وقال له: لماذا لم تنزل مع صاحبك قبل دقائق؟وتمشي هذه الأمتار القليلة بدل أن تحرج الأخ السائق الذي شفق عليك وأركبك معه مجاناً ثم كيف تتكلم معه بهذه اللهجة؟ وهل تعتقد أن هذا الأخ سيبقى يساعد الناس بعد أن تعاملوه أنت وأمثالك بهذه الطريقة؟.

سكت الراكب ونزل من السيارة دون أن يُعر كلام الشيخ أيّ انتباه ودون أن يقول لي شكراً وبعد أن سرت أمتار قليلة وإذا بالراكب الثالث يطلب مني الوقوف بنفس الطريقة التي تكلم بها من سبقاه فوقفت له ونزل بدون أن ينطق بأية كلمة بقي الشيخ وحده معي في السيارة فوجدها فرصة سانحة له ليقول ما بنفسه عن مثل هؤلاء الناس فقال: أنا أريد أن أعتذر لك عن مثل هؤلاء الناس يا ولدي فهم جيل قد نشأ لوحده ولم يُربيه أحد فهؤلاء وأمثالهم هم من سيقطعون الإحسان من بين الناس فأدهشني ما سمعته من هذا الشيخ وطلبت منه المزيد من التوضيح فقال:
