المكان: الكويت
الزمان: سنة أولى حرب

ما أن دخلت القوات العراقية أرض الكويت واحتلتها في 2/8/1990 حتى بدأت القوانين (السلطانية) في النزول تباعاً الواحد تلو الآخر دون أن يراعي هذا (السلطان) مصالح من كانوا يعيشون على أرضها من عرب وأجانب وكان هذا السلطان يهدف من وراء إصدار قوانينه تلك إطفاء شمعة الكويت التي كانت قد أضاءت كل مدينة أو قرية عربية بطريق مباشر أو غير مباشر (اعترف البعض بهذا أم لم يعترفوا) ونسي هذا السلطان (الجائر) أن من يقوم بإطفاء شمعة غيره فإنه سيعيش هو أيضاً في ظلام دامس.

وكان أول هذه القوانين السلطانية مرسوم تحويل الفرع إلى الأصل وإخفاء معالم الدولة فيها فقام بطرد حكومتها واستبدلها بحكومة من قواته وغيّر علمها وطمس حدودها وألغى عملتها وغير أسماء شوارعها وأحيائها ومدارسها وحذف كل إسم يبدأ أو ينتهي بـآل الصباح واستبدله بأسماء ثورية عربية من عنده ظناً منه أنه يستطيع أن يغطي الشمس بغربال.

لكن القانون الأهم من هذه القوانين كلها عندي وعند كل من كان يسكن في الكويت من عرب وأجانب كان (قانون تغيير لوحات السيارات) الذي كان قد أعطاه الأولوية القصوى وهذا القانون يطلب من كل من كان يملك سيارة خاصة تسير على أرض الكويت أن يقوم بتغيير لوحاتها الكويتية إلى لوحات عراقية وإلا فستُمنع سيارته من السير على الشوارع في الكويت بعد أن أصبحت المحافظة (رقم 19) من محافظات العراق ويمنع كذلك تزويدها بالوقود من مجطات البترول الكويتية.

أريد منك أيها القارئ أن تضع نفسك مكاني في ذلك الزمان وذلك المكان:بالله عليك ماذا ستفعل لو كنت مكاني في هذه الحالة؟هل ستغير أرقام سيارتك مثلي أم تبقيها على حالها؟وفي حال بقاء الأرقام كما هي وصودرت سيارتي الوحيدة في مثل هذه الظروف الصعبة فماذا أنا بفاعل عندئذ؟وهل يستطيع عبد فقير مثلي أن يخالف قراراً وضعه (رئيس مجلس قيادة الثورة) في دولة العراق الرئيس العظيم صدام حسين؟.

فما كان مني إلا أسرعت في الحال إلى إدارة مرور (الجابرية) لتغيير هذه اللوحات وإذا بالأمة العربية كلها هناك تريد تغيير لوحات سياراتها مثلي ولم يصلني الدور في ذاك اليوم وفي اليوم التالي وصلت الساعة الثامنة صباحاً لكنني أيضاً فشلت!وفي اليوم الثالث وصلت الساعة السابعة صباحاً وفشلت أيضاً!وفي اليوم التالي وصلت الساعة الخامسة صباحاً وإذا بالمراجعين الذين سبقوني قد جهزوا قائمة بأسمائهم ويرئسهم شخص منهم وعندما بدأ الدوام اختلفوا ومزقوا قائمة الأسماء واختلط الحابل بالنابل ولم أوفق.

لكن الأيام تمر والموعد يقترب والزحمة تزيد ولا تنقص فقلت:سأذهب في تمام الساعة الثانية ليلا هذه المرة وفعلا ذهبت فوجدت قبلي أناساً قد نظموا أنفسهم بأنفسهم وسجلت إسمي معهم في القائمة وبدأت أنتظر دوري إلى أن انتهى الدوام ولم أسلم معاملتي وفي هذه الأثناء تذكرت (رخصة القيادة) وقلت في نفسي:بعد يوم أو شهر على الأكثر سيتذكرون رخص القيادة وعندها سيصدر فرماناً بتغييرها لهذا سأكون سباقاً وأغيّر رخصة القيادة أيضاً.

وفي اليوم التالي وصلت إدارة المرور كالعادة الساعة الثانية ليلا وسجلت إسمي في القائمة وانتظمت في دوري وأخيراً جاء الفرج وقدمت أوراق رخصة القيادة أولاً فطلب الموظف مني أربعة دنانير عراقية فأعطيته خمسة فقال:أريد فقط أربعة دنانير فقلت له:إني أسامحك في الدينار الخامس فقال:وإذا جاء المفتش ووجد معي ديناراً زائداً عندها سيعتبره رشوة فهل سينفعني دينارك هذا؟وغضب وانتفض ورمى أوراقي وتبعثرت هنا وهناك وساعدني المراجعون على تجميعها فناديت بأعلى صوتي:يا من يبيعني أربعة دنانير عراقية بخمسة فلا من مجيب وذهب دوري في ذلك اليوم أيضاً.

وانطلقت أبحث عن دنانير عراقية أربعة فلم أجد فكان علي أن أشتري أشياء (لست بحاجة لها) من أماكن مختلفة كي أحصل على مثل هذه الدنانير الأربعة وأخيراً حصلت عليها وفي اليوم التالي أعدت الكرّة مرة أخرى وذهبت في تمام الساعة الثانية ليلا كالعادة وسجلت إسمي في قائمة الدور وانتظرت في الطابور ولم أنته قبل الثانية ظهراً وبعد أيام معدودة إنتهى موعد التبديل هذا لكنهم لم يحركوا ساكناً وكأن شيئاً لم يكن فمن لم يُغير لوحات سيارته يوقفه جندي عراقي قبل محطة البنزين فيضع السائق بيده ما تيسر ويسمح له بالدخول لتعبئة سيارته بالوقود وأحياناً كنت تجد من يبيعك البنزين قبل أو بعد المحطة.

هذا في زمن الإحتلال العراقي للكويت أما في زمن تحرير الكويت فكنت إذا وصلت نقطة تفتيش كويتية ينظر الجندي الكويتي إلى أرقام سيارتي من بعيد فإذا كانت عراقية فأنا إذن من العملاء الذين كانوا قد إرتكبوا السبع الموبقات فيستوقفني هذا الجندي قائلا:ها أشوف سيارتك عراقية؟لماذا لم تذهب معهم إلى العراق؟أشوفك هني بعد ذلك يسأل:ما أصلك؟فتقول له:أردني فيقول لك:أردني ولا فلسطيني؟ويجيب نفسه بنفسه فيقول:أردني أو فلسطيني سيان بعد إلك وجه تستحي به أمام الناس؟إنك لا تستحي على وجهك هات رخصك فتعطيه الرخص فيقول:يا للي ما تستحي على وجهك لوحة السيارة أجبرت على تغييرها فهمنا ذلك لكن رخصة القيادة لماذا غيرتها؟اصفط على اليمين وافتح الدبة والجيبة وانزل من السيارة وانتظر هناك حتى أطلبك.

ويمر الوقت الذي يقرره هو وبعدها يناديني قائلا:خذ أوراقك وانصرف من وجهي وآخذ أوراقي وأسير في الشارع بعدها بدقائق تأتيني نقطة تفتيش ثانية ويعطيني ما تيسر من قلة أدبه وقد أمر على نقطة تفتيش ثالثة ورابعة ـ هذا يعتمد على مشواري ـ وقبل أن أصل بيتي أكون قد إقتنعت بأني فعلت السبع الموبقات بالإنصياع إلى القانون فأتذكر من عاشوا في العصر الأموي وأدركهم الفتح العباسي فأحزن عليهم وأطلب من الله أن يرحمهم لأني أراهم إلى يومنا هذا يتعذبون في قبورهم.
