المكان : الزرقاء
الزمن : نوفمبر 1991

أبو كمال، لم أكن أعرفه من قبل، لكنني تعرفتُ عليه عن طريق معرفتي لزوجته، التي بينها وبيني صلة رحم، بعد أن زارونا في البيت، وبعد أن تعارفنا، وجدت أن مجموع أفراد أسرته التي يعيلهم عشرة. كان أبو كمال جندياً في الجيش الأردني، لكنه تقاعد كي يعمل سائق أجرة على أحد الخطوط الداخلية، ليزيد من دخله، إلا أنه لم يرتاح لهذه المهنة، لأن الراكب إذا أراد أن يدفع له الأجرة للسائق، يدق بيده على كتفيه، ويعطيه الأجرة دون أن يكلمه، فكان يعتبرها إهانة كبيرة له، وأخيراً كره مهنته، وباع سيارته، واشترى بثمنها أرضاً في الأزرق، وأخذ يزرعها وينتظر خيراتها.

قويت العلاقة بيننا وبينهم، وعرضوا علينا أمنيتهم، وهي أن يكون عندهم خمس غنمات شامية، كي تكون أرضهم في الأزرق مرعى لها، ومنها يحلبون، ومن حليبها يصنعون اللبن واللبنة والجبنة، فيأكلون ويطعمون ويبيعون الباقي، حتى أن هذه الأمنية أصبحت محور حديثهم معنا. درستُ الموضوع من جميع جوانبه، بعد أن تردد ذكره مرات عديدة على مسامعي، فوجدت هذا المشروع يُفيد في الدنيا والآخرة، فهو مشروع صغير، لكنه عظيم، فهو قد يحيي الأسرة بكاملها، ويخرجها من حالة العوز التي هي فيه، ويجعل أفراد الأسرة كلهم عاملون، وعندما سألتهم عن تكلفة هذا المشروع قالوا: نحن بحاجة إلى 500 ديناراً، نسددها على أقساط شهرية، سوف لن يقل القسط الواحد منها عن 50 ديناراً.

أعطيتهم المبلغ المطلوب، وبدأت أنتظر الأخبار الطيبة، وإذا بالرجل يشتري خرطوشاً للصيد بـ 300 ديناراً، بحجة أنه كان لا يعلم أن أرضه مرتعاً للحمام والطيور، التي أصبحت تأكل كل ما يزرع، وما تبقى من هذا المبلغ، دفعه ثمناً لوليمة كبرى، كان قد وعد بها إذا ما تمت صفقة بيع السيارة وشراء الأرض بالمبلغ الذي يريد، حيث دعا إليها أقاربه ومعارفه وأصدقاءه، ولم يشتروا لا غنماً ولا بقراً، ومضت سنة، ولم يدفعوا لي شيئاً، وبعد إلحاح في المطالبة، دفعوا ما مجموعه 200 ديناراً على دفعات متقطعة، وأخيراً أوقفوا الدفع صراحة، وقالوا لنا: لكم في ذمتنا ما تبقى.
