المكان:الرميثية/الكويت
الزمان:3 أغسطس 1990


في الماضي الذي هو ليس بالبعيد كثيراً، كانت أمنية المواطن الخليجي أن تطأ قدمه أرض بلاد الهند والسند، بلاد العجائب في يوم من الأيام، لما عُرف عن الشعب الهندي من تطور وحضارة، ودارت الأيام، وأصبحت أمنية المواطن الهندي، رجلاً كان أو إمرأة، طفلاً كان أم شيخاً، أن تطأ قدمه أرض الخليج العربي، أرض البترول والذهب الأسود، ومن أجل ذلك، كان هذا المواطن الهندي ـ ولا يزال ـ يبيع ما فوقه، وما تحته في بلده، كي يدفعه إلى شركات التوظيف، التي بدورها ستنقله إلى الجنة الموعودة، في رأيه، وكل ما يدور في خياله، أن مهمته الصعبة ستنتهي، عند الوصول إلى هذا الخليج الحلم، وبعدها سينشغل أو تنشغل في شرب العسل واللبن من منبعه، ولا يعلم هذا المسكين، ولا هذه المسكينة، أنه سيدخل إلى حياة جديدة، قد يرى غياهب الجب فيها.

وتأتي المرأة الهندية إلى الخليج، بعد أن تحرق ما عندها من سفن، إن وجدت، في بلدها، وتكبل نفسها بالديون للسماسرة، وقد تترك زوجها وأولادها في بلادها، يحدوها الأمل في توفير متطلبات الحياة الأفضل، لها ولأسرتها في المستقبل، ولم تعلم هذه المسكينة أنها ستكون هناك مستعبَدة، وبأنها ستقوم بدور الجارية المرسومة في الذهنية العربية، من أيام الجاهلية الأولى، بعد أن استغل أهل الخليج نظام الإقامة والكفالة، الذي قد يجبرها على فعل أشياء محرمة، بعد أن يسلبها هذا النظام إرادتها.

أمام هذا الواقع المرير، استيقظت خادمات الكويت، صبيحة يوم 2 أغسطس 1990، ولم يجدن أسيادهن في البيت، وأصبحت كل خادمة في بيت، هي سيدته، فدخلت كل الأماكن، التي كان مُحرّماً عليها دخولها، لا بل أكملت نومها في سرير سيدتها، ولو على سبيل التجربة، ولبست حليّها، وتزينت بزينتها، ولبست من فساتينها، وخرجت إلى الشارع، غير مصدقة لما يحدث، وأخذت كل واحدة منهن تتسائل، ولو في قرارة نفسها: أصحيح أنها امتلكت حريتها؟ولكي تتأكد من ذلك، لا بد أن تجد من تحاوره، وكان اللقاء حول المدرسة الهندية في الرميثية، لتصبح بقدرة قادر، سوقاً لبيع ما خف حمله، وغلا ثمنه.

وبما أنني من سكان الرميثية في ذلك الوقت، ركبت سيارتي ومعي زوجتي وأولادي، كي أستطلع ما حصل في الكويت، على أرض الواقع، بعد أن احتلها العراقيون، وبعد أن مللنا من أخبار التلفاز، وأصبحنا نريد أن نرى ما حصل، بأم أعيننا في مناطقها وشوارعها، واتجهت إلى السالمية، فوجدتها خالية من الناس، بعد أن كانت تعج بهم، ومن رأيته منهم هناك رأيت القلق والانتظار في عينيه، فعدت على الفور إلى البيت، وفي طريق عودتي من هذه الجولة، مررت صدفة بجانب المدرسة الهندية، فرأيت حولها سوقاً كسوق عكاظ، لكنه بصبغة هندية.

وما يميز هذا السوق عن غيره من الأسواق الطارئة، التي كانت قد استحدثت سريعاً في ذلك الوقت، أنه أقرب إلى الكرنفال منه إلى السوق التجاري، فقد كنت تجد فيه خادمة هندية، تلبس فستان سهرة سيدتها، أو معطفها المصنوع من الفرو، في عز الصيف، وأخرى كانت قد دهنت وجهها، ولوّنته بجميع أنواع الزينة التي كانت لسيدتها، وأصبح ابتداءً من اليوم تحت تصرفها، فلم يصمد هذا المكياج أمام حرارة الصيف ورطوبته، فساح على ملابسها، فلونها بجميع ألوان الطيف الشمسي، وكنت ترى غيرها، وقد ألبست أصابعها العشرة خواتم ذهب وألماس، وكنت تجد منهن من لبست حذاءً كعبه على شكل مسمار، لترى فيه نفسها، لكنها وجدت أن المشي فيه صعب، فحملته بيدها وسارت حافية، بعد أن اكتشفت أن حياتها أسهل بكثير من حياة سيدتها بعد التجربة.

والأغرب من ذلك كله، هو مشاهدة لقاء الأحبة والعشاق الهنود، فقد تغلب كفّ الحب الهندي، على مخرز القمع الكويتي، وكبت الحريات، وظهر الآن إلى العلن، بعد أن كان مخفياً مُقيداً، فكسر الحب الهندي قيده، وأصبح لقاءاً مفتوحاً، غير مُحدد بزمن معين، ولا بيوم معين، فلا سيدتها، ولا سيده، موجودان لمحاسبتهم لو تأخروا، ولم يعد هناك شرطة تخيفهم، عندما يُعلن عنهم بالصحف المحلية، خرج ولم يعد، فتمنيت في تلك اللحظة، أن أكون هندياً، لا حباً في سواد عيون الهنود، ولكن كي أشعر بشعورهم في ذلك اليوم: يوم تحرير الهنود في الكويت.

وبسرعة، استدركت استحالة تحقيق هذه الأمنية، لأنني من أمة تحن لماضيها البعيد، عندما كانت تستعبد الناس، فجاء الإسلام وحررهم، وألغى مفهوم السادة والعبيد عندهم، وجعلهم متساوون في الحقوق والواجبات، كأسنان المشط، وعلمهم رسولهم صلى الله عليه وسلم بأن: صاحب الحاجة أحق بحملها، إلا أن نفراً من هؤلاء الأعراب، قاموا باستخدام الناس خدماً لهم، لقضاء حوائجهم، التي لا تتطلب منهم مهارات Donkey’swork، حتى يتفرغوا لخدمة البشرية، وإضافة اختراعات جديدة للإنسانية.
