المكان : الزرقاء
الزمان : 1/9/1991

كان الوقت عندي مُهماً جداً آنذاك، فأسرتي أصبحت مُشتتة، والمدارس كانت قد فتحت أبوابها، والأولاد أصبحوا بحاجة إلى استقرار، بعد كل هذا التشتت الذي حصل لهم أثناء وبعد حرب الخليج، أما أنا، فأسكن عند ابن عمي، صحيح أنني وجدت عملاً، لكن العمل وحده لا يكفي، دون أن أجد السكن المناسب، الذي يجمع الأسرة ثانية بعد تشتتها، فاستعنت بكل الأصدقاء والمعارف في البحث عن سكن في عمان، فلم أفلح في العثور حتى ولو على غرفة واحدة، فقد امتلأت شقق عمان وبيوتها، وضاقت عمان على من فيها.

تنازلت عن مطالبي كلها، وقبلت أن أسكن في مدينة الرصيفة القريبة من عمان، لكنني لم أجد، وتنازلت أكثر، وقبلت أن أسكن في مدينة الزرقاء الأبعد عن عمان، فلم أجد أيضاً، لأن الكثير من الناس كانوا قد استغلوا هذه الأزمة أحسن استغلال، فبدلاً من أن يؤجروا بيوتهم لعام أو عامين، رأوا أن يبيعوها للقادمين من الكويت، بسعر لم يحلموا به من قبل، وبالمثل رأى الكثير ممن قدموا من الكويت بعد حرب الخليج إلى عمان، أن يشتروا بيوتاً أفضل لهم بكثير من دفع الإيجار.

في الماضي، عندما كان شخص ما يشتري قطعة من الأرض، كان يبني عليها غرفة صغيرة لتحفظ ملكيتة لهذه الأرض، فتذكر أحد القضاة الشرعيين أن له غرفة في قطعة أرض كان قد اشتراها، فقرر هو الآخر أن يساهم في حل هذه الأزمة ولكن على الطريقة الإسلامية، وهي أن يدفع له المستأجر أجرة سنتين سلفاً، ليضيف لغرفته تلك حماماً ومطبخاً، ويقوم بتأجيرها لمن يستطيع ويقدر.

وعندما سمعت بهذا العرض الإسلامي من ابن عمي، وافقت عليه فوراً، وفي الحال، ذهبت في معيّته إلى جاره القاضي، ولحق بنا ابنه وكان صغيراً في السن في ذلك الوقت، وما أن لمست جرس الباب، وإذا بالقاضي يفتح الباب، وكأنه على موعد معنا، ونظر فرأى ابن عمي معي، ففهم ما نريد، فسألته عن صحة العرض الإسلامي الذي سمعت عنه، فقال: نعم المكان ليس بالبعيد عنا، وعلى الفور لبس العمة والجبة، واصطحبنا إلى البيت الذي يريد تأجيره لنا بعرض إسلامي.

وما هي إلا دقائق، مشيناها على الأقدام حتى وصلنا مكان العرض، وإذا به شبه غرفة، ممتلئة بالزبالة والقمامة، تسكنها الحيوانات الضالة، في حوش خرب، ومع هذا قيلت، وسألته عن قيمة الأجرة التي يطلبها، فقال: أريد منك أجرة سنتين مقدماً، كي أبني لك فيها مطبخاً وحماماً، ألحقهما بهذه الغرفة، فتصبح لك سكناَ، فقلت له: أنا أعرف ما تريد عمله، لكنني أسال عن قيمة الأجرة التي تطلبها، قال: أريد مائة دينار شهرياً، أي أن ما يجب عليك أن تدفعه 2400 دينار، الآن عداً ونقداً. وافقت في الحال، لكنني طلبت منه الاستعجال في العمل، فقال: يبدأ العمل لحظة دفعك للمبلغ المطلوب.

لكن الولد الصغير الذي كان يرافقنا احتج على جاره القاضي وقال له: ولو، نحن جيرانك يا شيخ، ومن حقنا عليك أن تخفض لنا في الأجرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصاكم على سابع جار، ونحن من جيرانك السبعة يا شيخ، وعندما سمع هذا القاضي ما قاله هذا الولد، أخذ يرغي ويزبد، وقام على الفور بطردنا إلى خارج الحوش، وقام بإغلاق الباب من وراءه، وقال لنا: لا أريد أن أؤجركم هذا البيت، انصرفوا من أمامي، وأخذ إبن عمي يتوسل له ويقول له: إن هذا يا شيخنا ولد صغير لا يؤخذ برأيه، فقال له القاضي: خذ فالهم من أطفالهم.

مسخرة وعنوان تافه
إعجابإعجاب
أكيد أنت القاضي أو من زبانيته!
إعجابإعجاب