تأكل الحُرّة مكياجها ولا تتسوّل


untitled125
هل تأخذني في طريقك إلى عمان؟

في أحد أيام عام ١٩٩٢ عندما كنت أسكن في مدينة الزرقاء وأعمل في مدينة عمان ضاقت عمان بسكانها بعد حرب الخليج وأصبحت وسائل المواصلات شحيحة واصبح الوصول إلى المكان الذي يقصده الشخص في غاية الصعوبة وأصبح لزاماً على كل شخص أن يدبر نفسه بأية طريقة كانت للوصول إلى وجهته التي يقصدها وبينما كنت خارجاً من مدينة الزرقاء متجهاً إلى مدينة عمان عن طريق الرصيفة وإذا بامرأة تطلب مني الوقوف فوقفت فقالت: هل تأخذني في طريقك إلى عمان؟ فقلت لها: على الرحب والسعة تفضلي وركبت بجانبي دون أن أعرف من تكون هذه المرأة ولا أريد أن أعرف لأن عملي كان خالصاً لوجه الله بغض النظر عمن يركب بجانبي كل ما أعرفه أنها مضطرة للركوب معي لتوفير الأجرة لأشياء أهمّ.

untitled1
هل لك أن تدفع لي شيئاً لأشتري لزوجي طبخة اليوم؟ 

في الطريق عرضت عليّ هذه المرأة مشكلتها فقالت: إن زوجي كان قد مرض وأصبح مُقعداً ولا يستطيع أن يعمل وأنا وزوجي الآن نعيش على ما يدفعه لنا المحسنون أمثالك فهل لك أن تدفع لي شيئاً كي أشتري لزوجي طبخة اليوم؟ تعاطفت مع هذه المرأة ولكنني لم أكن أحمل فلوساً تذكر كي أعطيها فاعتذرت لها وقبلت هذه المرأة إعتذاري ولكنها قالت: هذا رقم هاتفي إذا رغبت في مساعدتي مستقبلاً فاندهشت لما سمعت وبدأت أحدّث نفسي بنفسي وأقول: أنا لم يكن عندي هاتفاً في بيتي في ذلك الوقت ونادراً من كان يمتلك هاتفاً في تلك الأيام فالأوْلى لهذه المرأة أن تقطع هاتفها أولاً وما تدفعه من رسوم ومكالمات شهرية سيشتري لها ولزوجها طبق اليوم على رأيها بدلاً من أن تمدّ يدها للناس.

telephone
الهاتف الذي يطعمخا هي وزوجها 

لم أستطع أن أكتم عنها ما حدثتتي به نفسي فقلت لها: أليس من الأولى أن تقطعي خط التلفون من منزلك فترتاحي على الأقل من فواتيره الباهظة ومن مصروفه؟ فقالت: إن الهاتف الذي تعترض على وجوده في بيتي هو الذي يُطعمنا ويسقينا وهو أداة الاتصال الوحيدة بيني وبين الناس فلولاه لا أستطيع التكلم مع أحد فهو كالبقرة التي تأكل ولكنها تحلب ومن حليبها نصنع اللبن واللبنة والجبنة والزبدة جرى هذا الحوار بيننا ولم أشاهد وجهها احتراماً لها وعندما نزلت من سيارتي في ساحة رغدان لمحت وجهها وإذا به مطليّ بمكياج ثمنه يكفيها وزوجها الأكل لمدة أسبوع كامل.

مشاهد فلسطينية بعيون من عاشوا حرب الخليج

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s