المكــان: مدرسة سالـم الحسينان
الزمان: نوفمبر 1990

عندما يقوم الإنسان بعمل لأولّ مرّة يَشُدّه ذلك العمل وعندما يُعيده مرّة أو مرّتين يُصبح عملاً عادياً وعندما يُكرّره عدّة مرّات يُصبح هذا العمل مألوفاً لديه يقوم به دون تفكير أو عناء وتسمى مثل هذه الأعمال التي نقوم بها في حياتنا اليومية (donkey’s works) ومن الأعمال التي كنت قد تعودت القيام بها في حياتي العملية على سبيل المثال لا الحصر رحلتي اليومية للعمل فقد كنت أقوم يومياً بتوصيل ولدي إلى مدرسته قبل أن أذهب إلى مدرستي وبعد إنتهاء دوامي أعود فأحضره منها ونذهب للبيت سويّاً وهذا العمل عمل يومي كنت قد مارسته لعدة سنوات دون كلل أو ملل.

وكان في البناية التي أسكنها أولاد للجيران في نفس المدرسة التي يدرس فيها ولدي فكنت أحضرهم معي تخفيفاً على آبائهم من باب(الجار للجار حتى ولو جار) أما رحلة العودة فتعتمد على موعد إنتهاء عملي في مدرستي فإذا كانت عندي حصة أخيرة يخرج الأولاد قبلي وينتظرون قدومي إليهم وعندما أصل إلى مدرستهم يتسابقون فيما بينهم على من يركب بجانبي فكلهم أولادي أما إذا لم تكن عندي حصة أخيرة فأقوم أنا بانتظارهم إلى أن يحضروا جميعاً وهذه رحلة يومية أصبحت في حياتي عادة لي ولسيارتي أيضاً حتى أنها لو تُركتْ سيارتي تسير بمفردها لقامت بهذه المهمة لوحدها.

وجاءت حرب الخليج وغيّرت كل شئ في حياتنا اليومية إلى الأسوأ وملأت حياتنا هموماً ومشاكل لم نعتد عليها قبل هذه الحرب حتى أن الشخص فينا أصبح يُكلم نفسه أحياناً فالكل قد أصبح مشغولاً في تدبير لقمة العيش على حساب العمل وفي أحد الأيام وبعد أن إنتهيت من تدريس حصتي الأخيرة ذهبت لإحضار الأولاد من مدرستهم فوجدتهم في إنتظاري كالعادة وبدون أن أدقق في وجوههم أو أتعرّف على شخصياتهم ركبوا في السيارة وانطلقتُ بهم إلى البيت دون أن أتأكد من وجود إبني معهم.

عندما وصلت البيت كانت زوجتي بانتظاري على البلكون فقد كانت تعرف وتراقب موعد قدومنا اليومي لا بل تنتظره بالدقيقة بعد أن فقدنا الأمن والأمان وإذا بها تصيح لي من البلكون قائلة:أين ولدك؟هل حدث له مكروه لا قدّر الله؟ولم تنتظر إجابتي لها بل سألت الأولاد عن إبنها لأنهم كانوا قد سبقوني باتجاهها فقال لها أكبرهم:لقد ذهب علاء إلى بيت صاحبه القريب من المدرسة ليشرب الماء ظناً منه أنه سيعود قبل أن يحضر والده لكن والده حضر قبله.
