المكان : عمان ـ الأردن
الزمان : 2 /8/ 1990

كنا قبل 2/8/1990، إخوة وأعماماً وأخوالاً وجيراناَ وأصدقاءاً لهم، يسرّنا ما يسرّهم، ويحزننا ما يحزنهم، هكذا كانت تبدو لنا الأمور على الأقل، صحيح أننا كنا نعيش في الكويت، لكن صورة الأهل والوطن ما غابت يوماً عن عيوننا، وعن قلوبنا، وعن عقولنا، فكنا نجمع لهم التبرعات، لإعمار مساجدهم، وفتح طرقاتهم، ونشترك في روابطهم الخيرية، فقط لدعمهم، ونفرض على أنفسنا رواتب شهرية، لدعم أسرهم التي تضرّرت في انتفاضاتهم.

وكنا قد أسسنا لهم مشاريع صغيرة، لإعالتهم هم وأولادهم، وكنا قد دعمنا مشاريعهم القائمة، لتقويتهم، وكنا قد سكّناهم في بيوتنا، فامتلكوها، ومنهم من عاد وباعنا إياها ثانية، واشتريناها منهم، وكنا نُفكر قبل شهرْين من السفر بهديتهم، نجوب أسواق الكويت، لنُحضر ما يليق بهم وبأولادهم، وكانوا هم الذين يُحدّدون هداياهم بأنفسهم، صغيرهم قبل كبيرهم.

كانوا هم وأولادهم، همّنا الوحيد، في ليلنا، وفي نهارنا، زارنا مُعظمهم على أرض الكويت، ورأوْا بأمّ أعينهم، حبنا واحترامنا وتقديرنا لهم، بالمقابل كانوا ينتظرون قدومنا كل صيف، على أحر من الجمر، لا ليسدوا جميلنا، كما هي العادة، بل ليُضاعفوا علينا الأسعار، ويزيدوا من أرباحهم على حسابنا، وما كنا نلوم أو نتأثر، بل كنا نقول قي قرارة أنفسنا: لقد انتقلت فلوسنا من يدنا اليمنى إلى يدنا اليسرى.

وكّلناهم في كلّ شيء، نملكه في بلادنا، لا بل اشتروْا لنا أراض وعقارات، وسجّلناها بأسمائهم، ظناً منا أن الأخ لا يُمكن أن يتنكر لأخيه في يوم من الأيام، وعلّمنا بطريق مُباشر أو غير مُباشر مُعظمهم، عندما كانوا في سن التعليم، وعندما تزوجوا، علّمنا أولادهم من بعدهم في الجامعات، والأهم من ذلك كله، أننا غيّرنا نظرة العالم لنا ولهم، فبعد أن كنا في نظر العالم لاجئين، أصبحنا ثواراً فدائيين، بعد أن انطلقت جحافل الفتح، من الفلسطينيين المتواجدين على أرض الكويت آنذاك.

لكنهم بعد 2/8/1990، لم يعترفوا بنا، ولا حتى بنسبنا لهم، لأن اعترافهم بنا، سيتبعه ردّ للجميل الذي كنا قد قدمناه لهم، أو معاملة بالمثل على الأقل، فسمّونا بالكويتيين، وهم يعلمون جيداً، بأننا لسنا بكويتيين، وإنما نحن إخوان وأبناء وأعمام وأخوال وأصدقاء وجيران لهم، ولكنهم سمّونا بهذا الإسم، كي يسهل عليهم عقابنا، وكي يتنصلوا من مسؤولياتهم تجاهنا، وكي لا يلومهم أحد، على أفعالهم المشينة تلك، التي يندى لها الجبين، في كثير من المواقف المُخزية.

ولم يكتفوا بذلك، بل نشروا شائعات عنا بين بعضهم البعض، تقول: بأننا نملك الكثير من المال الذي لا نستحقه، وبأننا فُسّاق فجرة، لا نخاف الله، ولا حتى نعبده، نشوي اللحم تحت الشجر، ونُخيّم على جوانب الطرق في الليل والنهار، لا همّ لنا إلا الأكل والشرب، نساؤنا سفرة، وبناتنا لا يصلحن للزواج، لأن فيهن فشخرة، ومُتعاليات، حيث انسلخن عن الطبقة، وأولادنا مُدللون ساذجون مُرفهون، لا يجلبون لمن يُشغّلهم أية منفعة، وهم لا يصلحون لشيء، ولا يُستخدمون لا في السدّة ولا في الهدّة.

حتى أنهم بلغونا رسالة من ربّنا، بعد أن أصبحوا من الأولياء الصالحين المتصلين بربهم، تقول: بأن الله قد حبس عنهم المطر، لوجودنا بينهم، لكن الله أسرع في كشف زيف ما ادعوا، وما كانوا به يدّعون، فأرسل الله علينا السماء مدراراً، وأنزل عليهم الثلج والبرد والصقيع في غير موعده، فتراكم في بيوتهم، وعلى طرقاتهم، وفي شوارعهم، وعطّل مدارسهم، لمدة لا تقل عن الأربعين يوماً.

وكان شعار المرحلة الذي كانوا قد رفعوه في تلك الفترة، لا بل تغنوا به، ونشروه في صحفهم المحلية اليومية، يقول: لنقتسم الرغيف سويّاً، فتوهمنا بأنهم يريدون أن يقسموا رغيفهم بيننا، ويعطوننا نصفه، ففرحنا، وعلى الفور، تذكرنا ما فعله الأنصار مع المهاجرين، بعد أن هاجروا من مكة إلى المدينة المنورة، وإذا بهم يطلبون رغيفنا كله، وليس نصفه، كما كانوا يدّعون في إعلاناتهم، لا بل يُصرّون على أكله كله ساخناً طازجاً.

من أجل ذلك، بدؤوا في نصب المصائد والمكائد، لكل من قدم من الكويت، لا بل زاد البعض في ذلك، وأفتى شيوخهم، بأن تعويضاتنا التي صُرفت لنا بعد حرب الخليج، بأنها حرام في حرام، وأعطوا أنفسهم الحق، في ابتكار طرق سلمية مختلفة، لا بل فصّلوا لكل واحد طريقته التي تناسبه، لسحب هذه الفلوس منا، لأنها حرام علينا، حلال عليهم، وليكن معلوماً لدى الجميع، بأنهم لا يكرهون الكويت، ولا يُحبّون العراق أكثر منا، لكنه حسد الأقارب، وغيرة الجيران، ليس إلا.

عندما قدمت من الكويت، زارني رجل وزوجته وأمه، تربطني بهم علاقة نسب، فقلت في نفسي: فيهم الخير، وبعد أن قدّمنا لهم ما استطعنا من أصول الضيافة المُتبعة عند الناس، وإذ بالرجل يقول: أنا لو كنت أعلم أن وضعكم بهذه الصورة، لما قدمت لزيارتكم، أنا جئت لأتشفى بكم، وأنتم تجلسون على البلاط، فردّت عليه أمه في الحال، قائلة: أنا لم يخطر على بالي، أنهم يستأجرون شقة، ليسكنوا فيها، بل أنا قادمة كي أتفرّج عليهم، وهم يجلسون وينامون تحت شجرة، أما زوجته وأنا وزوجتي، فلم نُعلّق على فحيح هذه الحية وابنها الثعبان.

وأعرف صديقاً آخر، كانت تُجاوره عجوز تعيش في كوخ لوحدها، فكان يشفق عليها، ويُحضر لها شيئاً معه في كل سفرة، وعندما سقطت الكويت، فرحت هذه العجوز، فسألها صديقي عن سبب فرحها، فقالت له: لا أريد للكويت أن تبقى، لأنها هي التي جعلتك تمنّ عليّ في كل سنة بدشداشة، وذهبت على الفور، وأحضرت آخر دشداشة أحضرها لها، وأعادتها له. بالله عليكم ماذا فعلت الكويت بهذه المرأة العجوز؟ وماذا قدّم العراق لها؟ ولكنها الغيرة والحسد لا أكثر ولا أقل.

الموضوع مبالغ فيه كثير زعماؤنا كانوا السبب في طرد اخواننا واهلينا من الكويت
إعجابإعجاب
زعمائنا السبب صحيح لكنهم لم يقولوا لنا أن نمثل على بعضنا البعض وندعي الحب
إعجابإعجاب
القصة الاخيرة سمعتها من رحمة والدي ..
على الحدود حيث كان كل منهم يتحدث بواقعة حصلت معه..
والقصة الاخيرة هي الاكثر الماً ..
ما حدث مع بطل هذه القصة .. انه رفض ان يمكث في بيت اخيه ..
وفضل ان يلتحف السماء ويستظل بشجرة على ان يبقى في بيته ..
إعجابLiked by 1 person
مرة ثانية أؤكد أن كل ما قلته كان قد حدث على أرض الواقع
إعجابإعجاب
انا لله وانا اليه راجعون
إعجابإعجاب
والحمد لله رب العالمين
إعجابإعجاب
كلامك كله صحيح واحنا لما طلعنا من الكويت شفنا انو اقرب الناس لك هو اقرب عدو واشد لئم لا ومشاعر الكراهيه والحقد كانت واضحه وان علاقتنا مع بعضنا قبل الحرب كانت مجرد تمثيل بتمثيل ونفاق ووجوه مزيفه
إعجابLiked by 1 person
وشهد شاهد من أهلها
إعجابإعجاب
الحمد لله على كل شيء .. هناك بعض الأمور أود أن ابينها – ولست مضطرا لذلك – ومنها :
أولا لقد عانى أباؤنا ما عانوه في بداية حياتهم في صحراء تفتقر لأبسط مقومات المدنية و الرخاء في سبيل لقمة العيش التي حفروا الصخر من أجل الحصول عليها ليكتفوا مذلة السؤال .. و قد من الله عليهم و رزقهم من فضله و ليس من فضل أي بشر .
ثانيا لم تكن الرواتب مثل ما يتخيله الغالبية ممن عاشوا خارج الكويت فمقابل الرواتب هناك ايجارات الشقق التي كانت تلتهم الجزء الكبير من الراتب ، ولكن في المقابل كان هناك نوعا من الدعم الحكومي لبعض السلع مثل المواد الغذائية والمحروقات و الغاء شبه تام لجمارك مواد أخرى مثل المركبات و غيرها مما كان له فائدة الاستمرار في عيشة كريمة .
ثالثا كان هناك تشديدات و خاصة في السنوات الأخيرة على قوانين الاقامة و سهولة التهجير ” التسفير ” لكل أجنبي قد يتورط في مشكلة مع صاحب العمل الكويتي أو الكفيل و هو الدافع الذي كان يبقينا كشباب فلسطيني متماسكين و متضامنين مع بعض وعلى قدر المسؤولية كي لا نتسبب لعائلاتنا بأي احراج على الرغم من عدم معرفة لأي مدينة ينتمي أحدنا الأخر لأن هذا الشيء في أخر أولوياتنا ،فكنا كالعائلة الواحدة نهب للوقوف الى جانب بعضنا البعض دون تمييز ديني أو مناطقي .
إعجابإعجاب
لقد أصبت في أولا وثانياً لكنك خربتها في ثالثاً فلم نكن في يوم ما متماسكين مع بعض حتى في الكويت كان الحسد للأهل والغيرة من الجيران
إعجابإعجاب
نعم كله صحيح والدي رحمه الله بعد الاحتلال و خروجنا للاردن ليس معه دينار واحد حتى يدفع تعليم لاخي الاكبر و طلب من اخوه ٣٠٠ دينار و وافق عمي ان يعطيه المبلغ بس اخذ فيهم الثلاجه للاسف . اللي بدي احكيه ما حد يقول قصص مبالغ فيها و اقسم انها صحيحه ١٠٠٪.
إعجابإعجاب
وشهد شاهد من أهلها
إعجابإعجاب
هاد الكلام مبالغ فيه
إعجابإعجاب
أتمنى أن يكون كذلك
إعجابإعجاب
الحمدلله بعد 26 سنة من ألم الذكريات المرة جاء من يخرجها إلى العلن ليس لتسوية حسابات فحسبنا الله ونعم الوكيل ولكنها غصة في قلوبنا التي لم تعرف إلا الصدق بالتعامل والمحبة الصافية واستغلت من أقرب الناس الينا .صدقت بكل حرف كتبته استاذ عبود
إعجابإعجاب
اللهم قد بلّغت
إعجابإعجاب
استاذ جميل بس لو تاتي باحد من المعلقين لمخالفه رايك ليس لشيئ فقط انما لاضافه شيئ من المصداقيه….معروف من هم الفلسطينيون ومعروفون من هم الكويتيون. كانوا اخوه وما زالوا اخوه، لا تزايد علي احد فكل نفس بما كسبت رهينه…..
إعجابإعجاب
أخي بشار أنا لا أجيب المعلقين على كيفي هم يأتون وحدهم وأكبر دليل أنك واحد منهم
إعجابإعجاب
الاستاذ جميل
تحية طيبة
أَجد كتاباتك عن الفلسطينيين في الكويت خلال فترة الحرب من أصدق وادق ما تم كتابته ، كأن هذه الكتابات قد تم تسجيلها وقت حدوثها وخصوصا مشاعر الالم من الشماتة من الاقارب والاستغلال وكل ما ذكرته صحيح
يكفي ان يعلم الإخوة القرّاء انه بمجرد ان يعلم اي من المقيمين في الاردن بتلك الفترة انك قادم من الكويت ان يقولوا لك “تستاهل” !!!
قلّبت المواجع التي كنّا قد نسيناها ..
إعجابإعجاب
أخي عابر سبيل تجربة الكويت تجربة مرة وعميقة كان لها أبعاد في المجتمع الفلسطيني والعربي قطفنا نتائجها هذه الأيام وسنقطفها أكثر في الأيام القادمة وهناك من يتعمد نسيانها أو تناسيها وليعلم مثل هؤلاء أن تجاهل المشكلة لا يعني حلها
إعجابإعجاب
اخي جميل كلماتك ابكتني لأننا مررنا بنفس الظروف اول مجيئنا من الكويت ولغاية اليوم نعامل من الاقارب على اننا أحضرنا شوالات مصاري الله يسامحهم
إعجابإعجاب
تأكدي أختي أم وليد أن من أبكاك سيبكي ولو بعد حين
إعجابإعجاب