الزمان: 1991
المكان: الجابرية


ما يُميز حرب الخليج الأولى والثانية عن غيرها من الحروب الأخرى هو مُحاولة كل طرف من الأطراف المتحاربة محو الطرف الآخر من الوجود وتحطيم بنيته التحتية كي لا تقوم له قائمة من بعدها فعندما إحتل العراق دولة الكويت حاول إزالتها من الوجود وحاول طمس معالمها الرئيسة بعد أن قام بتغيير أسماء الأماكن والشوارع فيها وحمّل من ممتلكاتها ما إستطاع حمله وقبل ذلك كله قام بطرد حكومتها الشرعية وقام بتعيين حكومة مصطنعة بكلمة مختصرة واحدة فقد كان قد إستباحها وبالمقابل عندما إحتلت أمريكا وحلفاؤها دولة العراق أول عمل قامت به هو حلّ حكومته وجيشه وشرطته ومؤسساته العامة وقامت بنهب خيراته وبتروله والأهم من ذلك كله أنها بذرت فيه بذور الشر والفرقة وبكلمة مختصرة واحدة فقد إستباحته.

وعاد الكويتيون إلى بلادهم بعد تحريرها من العراق فوجدوها مُستباحة فكان من أولوياتهم حصر كل المقيمين فيها ومن أجل ذلك أعلنوا أن على كل مقيم أن يحصل على بطاقة أمنية ولم يُفصحوا عن الشر الذي كان بداخلهم أما نحن المقيمون على أرض الكويت من غير الكويتيين وخاصة الفلسطينيون منهم فقد كنا كالشوكة في حلق النظام العراقي بعد أن رحل الكويتيون عن أرضهم فنحن من جعل الكويت لقمة غير مستساغة في فم العراق وكم تمنى العراق عدم وجودنا فيها كي يسهل عليه بلعها.

وفرحنا نحن المقيمون بعودة الكويت إلى أصحابها وفرحنا أكثر بالبطاقة الأمنية ظناً منا أنهم سيكافئون من صبر وعاش على أرض الكويت من غير الكويتيين بعد أن غادرها أصحابها وذهبنا إلى ثانوية بنات الجابرية بعد أن جعلوا منها مركزاً أمنياً لتبديل البطاقة المدنية بالبطاقة الأمنية وأعادونا إلى حياة الطوابير ثانية وتحكم العسكر فينا فكانوا يسمعوننا كلمات بذيئة مللناها وحفظناها عن ظهر قلب حتى وصلت معاناتنا إلى القاصي والداني فجاءت الصحافة الكويتية لتتأكد من صحة ما يقال والعجيب في الموضوع أن هذه البطاقة الأمنية صالحة لثلاثة شهور فقط وبعدها سنغادر الكويت نهائياً فما كان يلزم كل هذه الإهانات ونحن مودِّعون.
