
شجرة الزيتون المباركة في فلسطين كانت ولا زالت أقدم شجرة في العالم وأكثرها أصالة وبركة عند كل الأجيال الفلسطينية السابقة، بعد أن أكرمهم الله بها وجعلها لهم شجرة مباركة وأوصاهم بها سبع مرات في القرآن الكريم، وأقسم بها ليذكرهم بفوائدها الجمة، فما في هذه الأرض شجرة مثلها، فأوراقها وأغصانها وساقها وأزهارها وثمارها وجذورها وأنويتها كلها كانت ولا زالت مفيدة للناس في حياتهم اليومية، فمن ثمارها كانوا يعصرون الزيت الذي كان ينير أسرجتهم، وبه يدهنون أجسام مرضاهم، وبه يطبخون طعامهم حتى أنهم أصبحوا يُعرفون بـ (أهل الزيت والزعتر) لا بل يعرفون أنفسهم بأنهم أحسن ما يحبون من الطعام الزيت والزعتر.

ومنها يحصلون على الجفت بعد عصر ثمارها ليستخدمونه في مواقدهم وأفرانهم، ومن ثمارها يخللون الزيتون الأخضر والأسود، ومن أوراقها يستخلصون السماد الطبيعي، ومن ساقها وأغصانها يحصلون على الدفء في الشتاء، ومن جذورها يصنعون التحف والأدوات المنزلية، ومن أغصانها البرية التي تنمو على ساقها كانوا ينسجون سلالهم لقضاء حوائجهم فكان شجر الزيتون بالنسبة لهم هو النفط الفلسطيني الأخضر.

وبقيت شجرة الزيتون هذه معززة مُكرّمة عند الجميع إلى أن جاء المشروع الصهيوني الإستيطاني البغيض لفلسطين الذي يقوم على فرضية (فصل الأرض عن السكان) تمهيداً لطردهم منها وعلى قاعدة (الاستيلاء على أوسع مساحة ممكنة من الأرض بأقل عدد ممكن من السكان)، وعلى ضوء هاتين القاعدتين فقد تحولت شجرة الزيتون الفلسطينية عند العدو الصهيوني الغاصب إلى شجرة إرهابية فلسطينية يجب اقتلاعها من جذورها أو تحطيمها، حتى ولو أنها لم تُفجِّر القنابل في تل أبيب.

فقد رأينا وعايشنا وتابعنا كيف كان المستوطنون اليهود، وما زالوا، في كل موسم زيتوني يهاجمون أشجار الزيتون إما بحرقها أو سرقة محصولها أو الاعتداء على المزارعين الفلسطينيين بالقتل أحياناً وبسرقة محاصيلهم في أحيانٍ كثيرة، ومنعهم من قطف محصولهم الذي هم بأمس الحاجة إليه بعد انتظار له على أحر من الجمر سنة كاملة، لكنهم مع كل هذا فشلوا وسيفشلوا في تحقيق ما يسعون إليه.

وبعد أن فشلوا في تحطيم هذه الشجرة بالقوة لجؤوا هذه المرة إلى الحرب (الناعمة) معها، فقاموا بتقزيمها وتدجينها وتهويدها بأن زرعوها في قوارير خشبية وعرضوها لنا في نقطة الحدود الإسرائيلية على جسر الملك حسين ليراها القاصي والداني من الأجيال الجديدة للفلسطينيين الذين ولدوا في المنافي، ولم تحن لهم الفرصة في أن يتعرفوا على أهمية شجرة الزيتون في حياة آبائهم وأجدادهم لتبدو نبتة من نباتات الزينة عند اليهود.

وعلى الفور انتقلت نفس الفكرة إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن، وأصبح هناك من المحلات التجارية من يقوم بتقزيم هذه الشجرة المباركة وجعلها شجرة للزينة أمام محلاتهم التجارية، وأعجبت الفكرة أمانة عمان الكبرى فقامت بنقزيم شجر الزيتون المزروع غلى أكتاف الشوارع في مدينة عمان لتراه الأجيال القادمة فيخزن في ذاكرتها بأن الزيتون شجر زينة فقط لا أكثر ولا أقل، وبذلك يكونون قد تنصلوا من كل ما أوصانا به الله ورسوله وتنكروا لتراثنا وعقوا آبائنا وأجدادنا بهذا العمل دون أن يدرون.
