
في أول يوم من أيام عام 2008 دق جرس الباب وإذا به أحد أولادي الذي يعمل في الخارج، وبعد السلام قال: لقد أحضرت لك معي أحسن هدية يا والدي قلت: لم يبق شيءٌ بنفسي أطلبه يا بنيّ، فقال: أمتأكد مما تقول؟ قلت: نعم وبكل ثقة، قال: اسحبها أحسن لك فقد أحضرت لك شيئاً يجعلك تولد من جديد، لكنك هذه المرة ستحضر يوم مولدك. قلت: أيعقل أن يعي الإنسان يوم مولده؟ قال: أنا لا أتكلم عن الإنسان بل أتكلم عنك وحدك قلت: هات ما عندك… لقد مللت الكلام.

قال: أحضرت لك معي جهاز كمبيوتر، قلت: كان عندي جهاز كمبيوتر عندما كنت أنت في الصف السادس الابتدائي قال: نعم ولكنك لم تستخدمه، قلت: وما الجديد في الأمر؟ قال: لقد افتتحت شركة جوجل العالمية وحدة المعرفة knol وباللغة العربية، وأصبح بإمكانك أن تكتب بنفسك ما تريد وتقرأ لغيرك ما تحب دون إذن من أحد، قلت: علمني قال: لا يحتاج الأمر تعليماً، وما عليك إلا أن تبدأ. وعندما بدأت اكتشفت عالماً جديداً لم أكن أعلمه وبدأت أغوص في الماضي وأعوم في الحاضر وأسبح في المستقبل.

في السنة التالية حضر نفس الولد ومعه مفاجأة أخرى لي كعادته في كل مرة، فقال: هل تصدق أنك آخر الليل تستطيع أن تعد الناس الذين قرؤوا مقالاتك من جميع أنحاء العالم؟قلت: أيعقل ما تقول به يا بني؟ قال: إليك البرهان، وفتح جهاز الكمبيوتر وأراني ما ترونه على اليسار قلت: كنت قبل هذا اليوم لا أطلب الموت لكنني لا أنزعج منه لو أتى، أما بعد هذا اليوم فأصبحت أتمنى الحياة، لا حباً بها بل حباً في رؤية ما يُستجد فيها، وأصبحت أشفق على كل من مات ولم يستعمل جهاز الكمبيوتر ومشتقاته قبل أن يموت.

واستمر هذا الوضع قرابة الثلاث سنوات عندما ندمت شركة جوجل على ما قدّمته لنا، إذ يبدو أن هذه الخدمة لم تلاقِ رواجاً عند زبائنها في العالم فأنذرتنا بالإغلاق فحملنا ما استطعنا حمله ورحلنا، فتذكرت على الفور أهلنا في فلسطين المحتلة عندما يصرف الشخص منهم نصف عمره في بناء بيت له ولأسرته ويأتي العدو الصهيوني ويعطيه مهلة ربع ساعة ليأخذ من بيته ما يريد، قبل أن يتم هدمه بالجرافات الإسرائيلية بحجة أن بيته بني من غير ترخيص.
