
التلاعب بالكلمات فن تعلمناه صغاراً منذ نعومة أظفارنا، تعلمناه في مدارسنا الابتدائية والثانوية، ولم يُعلمنا إياه الاستعمار كما نحب دائماً أن ندّعي، فقد علمونا في مدارسنا أن الخليفة المأمون كان يُعطي مؤلف الكتاب وزنه ذهباً، فكانوا بذلك يقولون لنا نصف الحقيقة وليس كلها، فلم يقولوا لنا أن هذا الكتاب يجب أن يكون في مدح الخليفة أو السلطان أو الحاكم أو الوالي، وبقينا نعيش في هذا الوهم إلى أن كبرنا وعرفنا الحقيقة كاملة فكانت مؤلمة لنا ولعقولنا.

إني لأسأل اليوم ماذا لو صدر كتاب لرجل معارض للحاكم في أي دولة عربية؟ هل سيُعطي هذا الحاكم صاحب هذا الكتاب وزنه ذهباً؟ أم سيقطع لسانه كما حدث مع عبدالحميد الكاتب عندما انقلب العباسيون على الأمويين فاستدعوه في الحال وقالوا له:حكمنا عليك بقطع لسانك فاحتج المؤلف الكبير على هذا الحكم الجائر وقال لهم: أنا لست أموياً كي تقطعوا لساني، فقالوا له: أنت لست أموياً، لكنك لم تمدحنا في كتاباتك، فأنت بهذا تكون أمويّ الولاء وعليك ما على الأمويين من عقاب.
