
عشت سنوات الغربة معتمداً على جواز سفري في تسيير أمور حياتي الشخصية وعندما عدت إلى أرض الوطن عام ١٩٩١ وجدت أن الحياة هنا لا تسير على جواز السفر وإنما تسير على الهوية الشخصية لهذا كان لا بد لي من إستخراجها فسألت عن مكان إستصدارها فقالوا لي:إذهب إلى دائرة الأحوال المدنية في جبل عمان بالقرب من الدوار الأول وذهبت فوجدت مبنيين متقابلين بينهما شارع يفصل بينهما فدخلت أحدهما وبدأت أبحث عن المكان المطلوب ونزلت درجاً واتجهت يميناً ويساراً وتعقد الأمر عليّ فقررت أن أسأل.

إخترت غرفة قريبة مني ودخلتها وبعد أن حييت من كان يجلس فيها سألته:أين تستخرج الهوية الشخصية لو سمحت؟فقال الرجل:أكيد أنك لست من هنا فقلت له:كنت أعمل في الكويت ثم أضاف هذا الرجل:وماذا كنت تعمل هناك؟قلت له:معلماً فما كان منه إلا أن نهض من مكانه وحياني وقال لي:إجلس حياك الله وطلب لي فنجان قهوة وأخذ مني أوراقي وطلب من الآذن أن يذهب بها ويعود لي بالهوية الشخصية وأخرج من جيبه دينار واحد وألصق طوابع مالية على معاملتي وبدون شوشرة أعطاها للآذن وطلب منه أن يسلم معاملتي ويحضر الهوية معه ثم استدار نحوي وقال:ربع ساعة يا أستاذ وتكون هويتك في جيبك.

مددت يدي لتناول فنجان القهوة فلمحت على مكتبه لوحة صغيرة مكتوب عليها (اللوازم) فعلمت أنني كنت قد ضللت طريقي فطلبت منه أن يوضح لي ما حصل فقال وهو يبتسم:أنت أستاذي لك عندنا حقوق كثيرة أولها أنك غريب عن هذا البلد (وما غريب إلا الشيطان) وثانيهاً أنت من علمتنا ولا زلت تعلم إخوتنا وأولادنا ومن حقك أن ترى بعينك من علمتهم وهم يخدمونك.
