
أنهيت دراستي الثانوية العامة عام ١٩٦٨وأردت السفر للدراسة الجامعية في الخارج وهذا يتطلب مني الحصول على جواز سفر لأول مرة فذهبت إلى إدارة الجوازات في مدينة الزرقاء وقدمت معاملتي لكنهم رفضوها وطلبوا مني إيصال ضريبة الأراضي للعامين 1947 و1946 ومن أين لي ذلك؟ فضاقت الدنيا في وجهي وأصبحت حياتي صعبة ومُملة وطويلة مما جعلني أقضي الساعات الطوال في بقالة الأمانة مقابل مجمع الدوائر الحكومية في ذلك الوقت وهذه البقالة كان يملكها ولا يزال إبن عم لي إسمه أبو غسان لقتل الوقت عنده ليس إلا.

وفي أحد الأيام بينما كنت أجلس خارج هذه البقالة وإذا برجل عسكري ذو رتبة كبيرة قادم للبقالة فرآني أجلس وعلى وجهي يظهر الهمّ والغمّ فلفت نظره ذلك الشاب الصغير المهموم فسألني في الحال: ما بك يا شاب؟ لم أجبه على سؤاله لي لأنني كنت لا أعلم كيف سأجيب من لا أعرفه على سؤال شخصي بحت؟ فأجابه إبن عمي البقال عني وشرح له حالتي فأدار أبو خليل وجهه نحوي وقال بلهجة الواثق من نفسه: غداً يا بني موعدنا أمام دائرة الجوازات العامة الساعة الثامنة صباحاً لكن كلامه لم يحرك فيّ ساكناً بعد أن استوطن اليأس والإحباط في نفسي وفقدت الأمل من كل الناس كبيرهم قبل صغيرهم وبعد أن ذهب أبا خليل سألت ابن عمي البقال عنه فقال لي: هذا أبو خليل الشركسي جار قديم لنا وهو إذا قال فعل فلم أنم في تلك الليلة وأنا أنتظر قدوم الساعة الثامنة صباحاً وأخيراً جاء صباح اليوم التالي وذهبت لدائرة الجوازات العامة وانتظرته هناك وما هي إلا لحظات قليلة وإذا بأبي خليل قادم قبل الثامنة واصطحبني معه إلى مدير الجوازات شخصياً بعد أن فُتحَت له كل الأبواب التي كانت أمامي بالأمس مغلقة.
