
محمود عطية هذا الذي أنوي أن أحدثكم عنه هو مراسل في الكلية العلمية الإسلامية جبل عمان يعرفه كل من درس أو درّس فيها حتى أنه أصبح كشجرة من أشجارها العتيقة الطلاب والمدرسون يكبرون ويغادرون وهو باق فيها كشاهد على كل العصور التي مرت عليها هذه الكلية دخلها شاب صغير في السن وتعامل مع كل الإدارات والمُدرسين والطلاب وأخذ من بعضهم حُسن التصرف فهو يسمع ويعمل بصمت أكثر مما يتكلم يرى الخطأ فيتجنبه أما الصحيح فيقتدي به يحب جميع الناس والناس تحبه فأصبح بعد أن أمضى ثلاثة عقود من العطاء المتواصل مخزناً للأمانة والإخلاص والتفاني.

فِي أَحَد أَيَّام عَام ١٩٩٤ فرغت عُلْبَة سَجَائِرِي أَثْنَاء العَمَل فَطَلَبَت مِنْه سِيجَارَة وَأَنَا لَا أَعْرِفُه بُعَد فَأَعْطَانِي سِيجَارَة وَدَخَّنَتْهَا ثُمّ دُخِلَت الحِصَّة وَبَعْد اِنْتِهَاء هَذِه الحِصَّة خَرَجَت إِلَى غُرْفَتِي وَبِحَرَكَة لَا إِرَادِيَّة فَتَحَت دَرَج مَكْتَبِي وَإِذَا فِيه عُلْبَة سَجَائِر اِحْتَرْت فِي الأَمْر وَاِتَّهَمْت نَفْسَي بِالنِّسْيَان وَقُلْت لِزَمِيلِي فِي الغُرْفَة: أَيَعْقِل أَنَّنِي أَمْلِك عُلْبَة سَجَائِرَ وَأَطْلُب مِن النَّاس سِيجَارَة فاِتَّهَمَنِي صَاحِبِي فِي عقلِي وَعَزَا ذَلِك إِلَى كِبَر السِّنّ الَّذِي كَان قَد دَخَل بِه هُو وَلَيْس أَنَا فَقَد كَان يَعْتَبِر كُلّ النَّاس كِبَار فِي السِّنّ مَثَّلَه رَاجَعْت نَفْسُي مَرَّة ثَانِيَة وَتَأَكَّدْت أَنَّنِي دَخَّنْت آخَر سِيجَارَة وَرُمِيَت العُلْبَة فِي سَلَّة المُهْمَلَات وَذَهَبْت وَتَأَكَّدْت مِن وُجُودِهَا فِي تِلْك السَّلَّة إِذَن مِن أَيْن لِي بِهَذِه العُلْبَةِ؟.

وَإِذَا بمَحْمُود عَطِيَّة قَد فَهِم أَنّ عُلْبَة سَجَائِرِي أَصْبَحَت خَالِيَة فَذَهَب وَأَحْضَر لِي عُلْبَة جَدِيدَة دُون أَن أُكَلِّفَه بِذَلِك وَلَم يُعْلِمْنِي وَلَم يَطْلُب مِنِي ثَمَنًا لَهَا مِمَا جَعَل الأَمْر يَبْدُو مُحَيِّرًا تَدَاوَلَت الأَمْر مَرَّة ثَانِيَة مَع زَمِيلِي فِي الغُرْفَة مِن أَجْل حَلّ هَذَا اللُغْز وَعَلَى مَدَار اليَوْم وَقَرَّر زَمِيلِي أَن يُشْرِكَه فِي الأَمْر وَبَعْد أَن عَرَض عَلَيْه المَوْضُوع تَبَسُّم وبعد أن ضَغَطَنَا عَلَيْه أَكْثَر اعْتَرَفَ وَبِصُعُوبَة أَكْثَر قَبْل أَن يَأْخُذ الثَّمَنَ العَجِيب فِي المَوْضُوع أَنَّنِي كُنْت مُدَرِّسًا جَدِيدًا فِي المَدْرَسَة وَلَيْس بَيْنَي وَبَيْنَه أَيَّة عَلَاقَة خَاصَّة وَلَسْت مُدِيرًا أَو مَسْؤُولًا عَنْه يُرِيد أَن يَتَمَلَّقَنِي.

وَمِضَت الأَيَّامُ وَقُرِّرَت مُكَافَأَتُه وَلَكِن بِطَرِيقَة مُؤَدَّبَة فَطَلَبَت مِنْه أَن يَدْفَع لِي فَاتُورَة كَهْرَبَاء قِيمَتُهَا تِسْعَة عَشْر دِينَارَا هَكَذَا أَنَا قَرَأْت الرَّقْم فَأَعْطِيَتُه عِشْرُون دِينَارَا كَي يَبْقَى لَه دِينَار كمكافئة لَهُ وَدَفَع الفَاتُورَة وَلَم يَتَكَلَّم بِشَيْء فِي الطَّرِيق إِلَى البَيْت بَعْد اِنْتِهَاء الدَّوَام كَان اِبْنِي يُرَافِقُنِي خَطَر فِي بَالِي أَن أَشْرَكَه مَعَي فِي حِسَاب مَا صَرَفْنَاه فِي هَذَا اليَوْم مِن مَصَارِيف وَأَعْطَيْتُه الإِيصَالَات لِيَدْقُقْهَا وَيَجْمَعُهَا فَبَدَأ بِفَاتُورَة الكَهْرَبَاء وَقَالَ: تِسْع وَعِشْرُون دِينَارَا فَقَلَّت لَهُ: لَا تُكَمِّل تَأَكَّد مِنْهَا ثَانِيَة أهي تِسْعَة عَشْر أَم تِسْع وَعِشْرُونَ؟ فَقَالَ: لَا هِي تِسْع وَعِشْرُونَ نَزَل كَلَامُه عَلَيّ كَالصَّاعِقَة وَقُلْت فِي نَفْسِي: أَنَا أَعْطَيْتُه عِشْرُون دِينَارَا كَي يَبْقَى لَه دِينَار وَإِذَا بِه يُدْفَع مِن جَيْبِه تِسْعَة دَنَانِير وَلَم يَطْلُبْهَا.

كلامك رائع استاذ جميل ، فعلا العم محمود عطيه كان من اروع الموظفين في المدرسه
الله يقويه ويطول عمره
إعجابإعجاب