
في عام 1992 كنت أعمل مدرساً للرياضيات في مدرسة ثانوية خاصة (مختلطة) في مدينة عمان الغربية وكان يعمل معي في نفس هذه المدرسة معلم كبير في السن ملتزم في تنفيذ تعليمات مديرة المدرسة حرفياً دون مناقشة وعندما كنت ألومه على ذلك كان يرد عليّ بجواب جاهز مُعلب (يدّعي بأن هذا الجواب صالحاً لكل زمان ومكان) فكان يقول لي:إربط الحمار في المكان الذي يريده منك صاحبه.

وكان من جملة هذه التعليمات الإدارية للمدرسين واحدة تقول:لا تسمحوا لولد أن يختلي مع بنت في مكان غير مكشوف داخل المدرسة وفي أحد الأيام بينما كان هذا الأستاذ مناوباً في إحدى الفرص رأى بنتاً وولداً يختبؤون وراء مبنى المدرسة فنهر عليهما وطلب منهما أن يحضرا في الحال إلى الساحة فاستجاب الولد إستجابة سريعة لطلب الأستاذ واستجابت البنت لهذا الطلب ولكن كانت إستجابتها بطيئة وعلى مضض!لأنها كانت قد إعتبرت أن هذا الأستاذ قد تدخل في خصوصيتها أكثر من اللزوم.

لهذا فقد قررت هذه البنت أن تعاقب أستاذها بالمقابل وتلقنه درساً لن ينساه طوال حياته ولكن على طريقتها الخاصة وما أن انتهى الدوام المدرسي في ذلك اليوم وقبيل وصولها إلى البيت تمكنت من شحن عواطفها السلبية تجاه هذا الأستاذ وما أن وصلت إلى بيتها ورأتها أمها أخذت تبكي وتشكو لها «غلاظة» هذا الأستاذ وتدخله في خصوصيتها فما كان من هذه الأم إلا أن طيبت خاطر إبنتها ووعدتها بأن تذهب للمدرسة غداً وتقابل مديرة المدرسة وتجتمع بهذا الأستاذ (المُتخلف) وتلقنه درساً في تربية بنات هذه الأيام.

وفي اليوم التالي حضرت أم البنت إلى المدرسة والتقت بمديرة المدرسة وشكت لها أمر إبنتها وأصرّت على أن تلتقي بهذا الأستاذ المُتخلف الذي قطع خلوة إبنتها مع صديقها وبعد أن فهمت المديرة ما تريده هذه المرأة حاولت أن تمنع مثل هذا اللقاء إلا أنها لم تستطع أن تصمد أمام إصرار هذه الأم على لقاء هذا الأستاذ وفي الحال طلبت مني المديرة الحضور مع هذا الأستاذ إلى غرفتها لتخفيف حدة هذا اللقاء بينهما وماهي إلا دقائق معدودة حتى التقينا أربعتنا في غرفة المديرة.

وما أن جلسنا حتى قامت المديرة بتعريف أحدهما بالآخر فقالت الأم للأستاذ:أظنك تعلم يا أستاذ أنه يوجد بالقرب من بيتنا مدرسة بنات حكومية مجانية؟لكنني لم أسجل إبنتي فيها لأنني أريد لها الإختلاط بالآخر ومن أجل ذلك كنت قد أدخلت إبنتي في هذه المدرسة الخاصة وتحملت الوقت الضائع غليّ وعلى إبنتي في الوصول إلى هذه المدرسة ثم العودة إلى البيت وفوق ذلك أيضاً دفعت عليها المبالغ الطائلة كما تعلم.
وجاءت حضرتك وبجرة قلم فأفشلت خطتي وجرحت كبرياء إبنتي عندما تدخلت في خصوصيتها أكثر من اللزوم فردّ عليها الأستاذ قائلاُ:إبنتك هي مثل إبنتي تماماً وما أقبله لإبنتي سأقبله لإبنتك إن شاء الله فردت عليه الأم في الحال وبشئ من الغضب:أنت حر في تربية إبنتك كما تريد!كما أنني أنا حرة في تربية إبنتي أيضاً كما أريد لهذا فلن أترك إبنتي في مدرسة (متخلفة) توظف أمثالك بعد الآن!ولم تعطه الفرصة للرد بل حوّلت كلامها لمديرة المدرسة هذه المرة.
أدارت الأم بوجهها إلى مديرة المدرسة طالبة منها ملف إبنتها في الحال فحاولت المديرة أن تثنيها عن ذلك لكنها في النهاية رضخت لطلب الأم أمام إصرارها على ذلك وبعد أن أخذته غادرت الغرفة وهي تقول:مدرسين آخر زمن وبعد أن خرجت الأم ومعها ملف إبنتها قالت مديرة المدرسة للأستاذ:آخر الشهر على الأبواب فمن أين أدفع لك راتبك يا أستاذ؟إحمر وجه الأستاذ ودخل في غيبوبة فكرية أظنها في كيفية تسديد فواتيره الشهرية فيما لو نفذت المديرة ما تلوح به؟.
