
تزوج الحجاج من امرأة اسمها هند، رغماً عنها، وعن أبيها، وذات مرة، وبعد مرور سنة على زواجهما، جلست هند أمام المرآة تندب حظها وتقول: لـلـه دري مـهـرةُ عـربـيـة … عُـمِـيـت بـلـيـل إذ تفخذها بغلً… فإن ولدت مُهراً فلله درّها… وإن ولدت بغلاً فقد جاد به البغـلُ. وعندما سمعها الحجاج، غضب منها غضباً شديداً على ما سمعه منها، ولم يجبها بشيء، بل ذهب إلى خادمه وقال له: اذهب إلى هند، وأبلغها أنها طالق، في كلمتين اثنتين فقط، لو زدت عليهما بثالثة قطعت لسانك، ثم أعطِها ألف دينار، وذهب إليها الخادم وقال لها: كُنتي فبنْتي. فقالت له هند: كُنا فما فرحنا، وبنّا وما حزنّا، وأعطت الخادم ما أعطاها الحجاج من دنانير، مقابل البُشرى التي جاءها بها.

وبعد هذه الحادثة مباشرة، لم يجرؤ أحد من الناس على التقدم من خطبة هند بعد طلاقها من الحجاج، فغضبت هند وأصرّت (بينها وبين نفسها) على أن تُخطب مِن مَن هو أفضل من الحجاج مقاماً ومكانة، مهما كلفها ذلك من ثمن، فقامت بإغراء بعض الشعراء، الذين كانوا يتمكنون من الدخول على قصر الخليفة عبدالملك بن مروان بالمال، بعد أن اشترطت عليهم أن يقوموا بمدحها، ومدح جمالها ودلالها وخفة دمها عند الخليفة.

ولما سمع الخليفة عبدالملك بن مروان بجمالها من أفواه الشعراء، أرسل إلي عامله في الحجاز، ليتأكد له من ذلك، وقام عامل الحجاز بزيارتها في بيتها، وأرسل للخليفة يقول: إنها لا عيب فيها أبداً، غير أنها عظيمة الثديين. فقال الخليفة عبد الملك: هذا ليس عيباً في المرأة، فهي بذلك تدفيء الضجيع، وتشبع الرضيع، وأرسل إلى بيتها من يخطبها له، فبعثت للخليفة رسالة، تقول فيها: أوافق على زواجي منك، بشرط أن يسوق الحجاج جملي من الحجاز إلى بغداد، فوافق الخليفة على شرطها هذا، وأمر الحجاج أن ينفذ شرطها فوراً، ونفذ الحجاج أمر الخليفة في الحال.

وبينما كان الحجاج يسوق الجمل الذي تركبه، تعمدت أن تسقط من يدها ديناراً، وقالت للحجاج: يا غلام، لقد وقع مني درهمٌ فأعطنيه، فأخذه الحجاج وقال لها: إنه دينارٌ وليس درهماً، فنظرت إليه وقالت: الحمد لله الذي أبدلني بالدرهم ديناراً، وعلى الفور، فهم الحجاج ما تريد توصيله له، وأسرّها في نفسه، إلى أن وصل موكبها بغداد، فتعمد الحجاج أن يتأخر في الإسطبل، والناس يتجهزون للوليمة، فأرسل إليه الخليفة يطلب حضوره في الحال، فردّ عليه الحجاج بقوله: ربتني أمي على أن لا آكل فضلات الرجال. وفهم الخليفة ما قصده الحجاج، وأمر أن تدخل هند أحد القصور، ولم يقربها، إلا أنه كان يزورها كل يوم بعد صلاة العصر.
