
منذ القدم وأنا أستمع وأستمتع كغيري من الناس إلى المطربة الكبيرة فيروز وهي تشدو بصوتها المخملي الجميل أغنية (كرم اللولو)التي يقول مطلعها (بكرم اللولو في سلّة مليانة عناقيدها سود وحبيبي مستحلي خصلة وفكري أسرق له عنقود). وكنت كلما استمعت إلى هذه الأغنية القديمة الجديدة أفتح على نفسي باب الخيال الواسع، وأقوم على الفور بعملية ربط بين الحاضر والماضي، فهذه الأغنية تُذكّرني وتعيدني إلى الماضي غير البعيد بكل تفاصيله وكل حسناته وسيئاته، وبساطته وبراءته أيضاً.

ومن أهم حسنات هذا الماضي أن الإنسان منا كان يحلم بخصلة من العنب وليس بعنقود كما هو حاصل في هذه الأيام. وأتذكر أيضاً الحب القديم الذي كان يعيش في فكر المحبوب، وليس في قلبه كما يحصل في هذه الأيام. وكان من أهم سيئات هذا الماضي أن الحبيب كان يمكن أن يضحي من أجل حبيبه، فالرجل قد يبيع الذي فوقه والذي تحته كما يقولون من أجل محبوبته، والمرأة كانت تنتظر خطيبها سنوات وسنوات وتضحي من أجله بالشيء الكثير.

كل هذا كنت قد فهمته في الماضي مع احترامي الشديد له وعدم تحفظي على شيءٍ منه إلا على شيء واحد فقط، هو أن تسرق المرأة من أجل حبيبها فهذا الذي لا ولن أقبله في يوم من الأيام. لهذا بقيت هذه الأغنية في مخيلتي إلى الآن وليس حباً بها فقط ولو كان بيدي الحل والربط لمنعت إذاعتها كي لا تسمعها بناتنا وخاصة في هذه الأيام؛ لأنها تُعلّمهنّ التفكير بالخطأ، فهذه الأغنية أباحت للمرأة أن تفكر في السرقة من أجل محبوبها مع العلم أن الحب والسرقة لا يلتقيان.

وبقيت على هذا الحال إلى أن دخلت شارع المدينة المنورة في العاصمة الأردنية عمان في يوم من الأيام، وهذا الشارع لمن لا يعرفه أصبح اليوم يعج بالسيارات والمركبات والشاحنات والمطاعم والناس أيضاً، وأصبح من يدخله لا يعلم متى سيخرج منه، فكان لزاماً عليّ أن أسلّي نفسي بشيء ما لقتل ملل الانتظار فقمت بفتح جهاز الراديو الموجود في سيارتي كي أخفف عن نفسي ذاك الملل.

فقادني مؤشر هذا الراديو إلى محطة عشوائية وإذا بالمذيع يحل مشاكل الناس التي عجزت كل حكوماتنا السابقة على حلها على الهواء مباشرة. فرحت له وبدأت أتابع حلوله السحرية لمشاكلنا، وعلى الفور اتصلت بالمذيع بنت من بنات هذه الأيام تعرض مشكلتها على المذيع كي يساعدها في حلها فقالت: أنا اسمي فلانة الفلاني عمري 20 سنة، ولدي مشكلة كبيرة، فقال لها المذيع: يا ساتر! هاتي ما عندك يا فلانة فكلنا آذان صاغية.

فقالت له فلانة: أنا أحب شاباً موظفاً في إحدى شركات القطاع الخاص عمره 26 سنة، لكن هذا الموظف الذي كانت قد رست عليه بوصلتي يعيل أهله، ولا يستطيع أن يقدّم لي “الشبكة” ولا يستطيع أن يدفع تكاليف حفلة الخطوبة، فقال لها المذيع: وما المشكلة؟ وكيف أستطيع أن أساهم في حلها؟ قالت له: حلّها بسيط جداً إذا أردت: أريدك أن تدعو لي أهل الخير كي يدفعوا لي مبلغ 2000 دينار كي تتم الخطوبة، فقال لها المذيع: وبعد الخطوبة؟ قالت له: سنتدبر أمر ما بعد الخطوبة. المهم أن توفر لي هذا المبلغ الآن وأنا أتكفّلبالباقي.
