
(بـتـيـر) قرية فلسطينية تبعد (٨) كم إلى الجنوب الغربي من مدينة القدس كما تبعد (٥) كم إلى الغرب من مدينة بيت لحم تنتشر مباني هذه القرية على سفح جبل ينتهي بسكة حديد تربط القدس باللد كانت قد نفذتها شركة فرنسية لصالح تركيا عام 1905 واكتسبت هذه القرية شهرتها بسبب كونها آخر محطة يتوقف فيها القطار المتجه إلى القدس فكانت بتير مركزاً لتجمع أهالي القرى المجاورة الراغبين بالسفر إلى القدس أو العودة منها وبعد النكبة أصبحت سكة الحديد داخل الخط الأخضر ولم يتبق لبتير غير الجبل الذي أنشئت عليه.

(حسن مصطفى) كان قد ولد في هذه القرية عام ١٩١٤ وتعلم القراءة والكتابة في كتابها ثم إلتحق بكلية الروضة في مدينة القدس وتخرج منها بتفوق ثم أكمل دراسته بالجامعة الأمركية في القاهرة وتخرج منها عام ١٩٣٥ وكانت هذه الجامعة تضم بين طلبتها أبناء القادة والموسرين العرب في ذلك الوقت وقد تمكن حسن مصطفى هذا من أن يلفت نظر الكثيرين منهم وأن يقيم معهم شبكة من العلاقات والصداقات لا سيما بعد أن أصبحوا قادة في بلادهم كما أنه تمكن من جعل معظم القادة المشهورين في ذلك الوقت بزورون قريته ويستمتعون بأكلة (المتبل) من الباذنجان (البتيري) المشهور وبعد تخرجه من الجامعة عاد إلى فلسطين ليبدأ حياته العملية في دائرة التعاونيات الحكومية وعمل فيها لمدة عام واحد ثم عمل مدرساً لمدة عام آخر في كلية الروضة في القدس.

وعندما شعرت سلطات الإنتداب البريطانية بخطورته أصدرت أمراً باعتقاله عام 1939 مع غيره من مثقفي فلسطين أمثال (إبراهيم طوقان) و(عبد القادر الحسيني) وغيرهم إلا انه تدارك الأمر مع زملائه العرب وغادر البلاد إلى شرق الأردن ثم إلى العراق حيث عمل معلماً في دار المعلمين العليا في بغداد ثم عاد إلى فلسطين ثانية في العام 1943 وعمل مع الأستاذ (خليل السكاكيني) في تأسيس (كلية النهضة) ثم عمل في إذاعة الشرق الأدنى في مدينة يافا وكان له برنامج بعنوان (راوية الصباح) وأصدر خلال عمله في الإذاعة كتاب (قطرات ريفية).

في عام 1948 عندما إغتصب اليهود أرض فلسطين وبدأ حسن مصطفى يرى الناس يرحلون عن ديارهم جُن جنونه وقال قولته المشهورة:منفعتي تبدأ من تحت قدمي وامتثل البعض لكلامه ولم يرحلوا عن قريتهم لكن المصاب كان كبيراً ورحل معظم أهالي بتير إلى منطقة الغور وسكنوا هناك رغم مناشدته لهم ولغيرهم بعدم الرحيل عن الوطن ولم يعجبه ما حصل في عموم فلسطين من هجرة جماعية فاضطر إلى إستخدام السياسة التي يتقنها ويُعرّفها بقوله:السياسة هي أن تقول ما لا تعني وتعمل ما لا تقول.

إتصل حسن مصطفى بالسياسيين والقادة العرب من أصدقائه في ذلك الوقت وبعد أن شرح لهم الأزمة التي تمر فيها بتير وقال لهم:لن تأكلوا الباذنجان البتيري بعد الآن إذا ضاعت بتير يا عرب واهتم القوم بهذه الكلمات البسيطة وقدروا للرجل صداقته وأفردوا له بنداً خاصاً يعالج قضية بتير في إتفاقية (رودس) وعلى إثرها سُمح لأهل بتير بالعودة إلى قريتهم وزراعة أرضهم داخل الخط الأخضر وبطول أربعة كيلومترات مقابل أن يمر القطار الصهيوني من أرضهم بسلام.

فهذا الرجل إستطاع تخليص قريته من براثن الإحتلال بحنكته وعلاقاته ووفر على الناس معاناتهم ومن دونه لكان لأهل بتير مخيمهم الذي لا يعرفون أين سيكون مكانه؟لكن الأمر لم يدم طويلاً فبعد أن مات حسن مصطفى بست سنوات إحتل اليهود الضفة الغربية كلها وعادت بتير ثانية إلى المربع الأول لكنني عندما ذهبت إلى بتير لأول مرة والتقيت بسكانها وجدتهم قد أجمعوا على كلمة واحدة:رحم الله حسن مصطفى الذي ثبتنا في أرضنا بعد أن كنا عنها راحلين ونادراً ما أسمع أن الجميع يجمعون على الترحم على أحد من قيادات الماضي.

رغم أن ياسر عرفات أشهر من حسن مصطفى بكثير، إلا أنه لا مجال للمقارنة؛
عرفات بدأ نضاله لتحرير فلسطين قبل احتلال بتير والضفة الغربية،
لكنه انتهى بالتنازل عن تلك الفلسطين التي خسرنا الكثيرين من أبنائنا تلبية لدعوة عرفات!
هذه خيانة واضحة … بكل بساطة!!
إعجابإعجاب