
إطـعـيـمـي الذي أنوي أن أحدثكم عنه هو رجل إذا رأيته رأيت رأساً ملتصقاً به أربعة أطراف ليس إلا، لا يرتفع بها عن الأرض إلا قليلاً، ليس له مهنة يعتاش منها لكنه يعيش مع أمه العجوز وحيداً في كوخ صغير يرضى بالقليل وبما تيسّر، لا يغيب عن أي وليمة تقام لا في الأفراح ولا في الأتراح، لهذا لقبه الناس بهذا الإسم. لكنه عندما قامت ثورة عام 1936 في فلسطين التحق بها ليس لتحرير فلسطين أو الدفاع عن أرض الوطن ولكن ليرفع من قيمته المعنوية بين أفراد المجتمع ولكي يفرض احترامه على الجميع بالقوة، إذ تسلح بالبندقية لكنه لا يستطيع أن يُعلقها على كتفه مثله مثل بقية الثوار لقصر قامته، لهذا فهو يحمل البندقية بين يديه كمن يحمل طفلاً صغيراً.

وقبل أن يلتحق إطعيمي بالثورة لم يكن له أصدقاء بمعنى الكلمة، لكن الناس كانوا يُمازحونه ويتندّرون عليه في الأفراح والأتراح ويسكت، لا بل كان يضحك معهم لكن الأمر تغيّر الآن فهو مُسلّح ومن أنصار المُجاهد الكبير عبدالقادر الحسيني، لا يسير وحيداً بل ضمن فصيل، والفصيل عادة ما يسكن الجبال والوديان والكهوف وأصبح في عُرف الناس أنه إذا دخل الفصيل أرض قرية من قرى فلسطين فعلى أهل هذه القرية أن يوفروا لهم الطعام والشراب. وفي حال تقاعس أهل القرية التي يدخل أرضها هذا الفصيل عن تقديم الطعام والشراب لهم يدخلها الفصيل ويطلب الأكل والشرب من الناس بنفسه وبعد أن يأكلوا ويشربوا يغادرون القرية إلى مكان آخر.

وكانت هناك عائلة إقطاعية مشهورة في فلسطين تسكن قرية بكاملها وكانت قد سخّرت فقراء الناس لخدمتها في فلاحة الأرض، فأصرّ إطعيمي أن يذهب إلى قريتهم هذه بفصيل صغير يرأسه، وعندما لم يُعيروه انتباههم قرّر اقتحام قريتهم وأصرّ على أن يُعاقبهم ويجعلهم عبرة لمن يعتبر، فطلب أن يحضر رئيس هذه العائلة ومعه الإبريق والطشت ليصب الماء على يديه ليزيل ما علق بهما من بقايا طعام الغداء الذي فرضه عليهم، واستهجنت هذه العائلة ما حدث لهم ولرئيسهم وابتعدوا عن الثورة والثوار.

وفي أحد المرّات بينما كان يستعرض ببندقيته مرّ عنه أحد معارفه فأراد أن يُمازحه بقوله له: سماوي (وهذه كلمة تقال لمن لا يُتقن التصويب ويُريد أن يُطلق النار فينصحه الناس بأن يُوجّه بُندقيته إلى أعلى) فما كان منه إلا أن هجم على هذا القائل وكتّفه وسار به إلى قائده بجرم الاستهزاء بالثورة ومعاداتها وسار به في أرض وعرة فاصطدم بحجر مزروع في الأرض فغضب من هذا الحجر وأطلق عليه أربع رصاصات لمعاقبته على فعلته هذه، فالمفروض أن يعرفه الحجر ويبتعد عن طريقه وانتهت الثورة وعاد كل شيء إلى مكانه وعاد إطعيمي ثانية ليكون أول المتواجدين في ولائم الأفراح والأتراح.
