
في الكويت عندما كانت تسمى نفسها (بلاد العرب) وُلدتُ!فكانت الكويت هي مسقط رأسي!ومكان ولادتي!وعليه فقد إستنشقتُ غبارها وطوزها!ولسعني حرّها!ولفحني بردها!وعصرتني رطوبتها!ومشيتُ على رملها وفي شوارعها!وتسلقت أبراجها!وسبحتُ في خليجها!وأكلت من سمكها!ولعبتُ في حدائقها!وتنزهت في واجهتها البحرية!وخيّمتُ في برّها!وتجوّلتُ في أسواقها!وتعلمتُ التسامح في مدارسها!وتسمعت إلى إذاعاتها!وشاهدت تلفازها!ولعبتُ في شوارعها وحاراتها!وصليت في مساجدها!وتعرفت على العرب والعروبة تحت سمائها!إثنتا عشر سنة بالتمام والكمال!.

وبقيت على هذا الحال!إلى أن جاءت السنة الثالثة عشر من عمري!لكن هذه السنة لم تكن كغيرها من السنوات السابقة!بل جاءت ومعها حرب (عاصفة الصحراء) التي رأيت فيها المغول والتتار بأم عيني!وهم يحطمون أحلامنا العربية!فاستبدلت هذه الحرب أمني خوفاً!وحلو أيامي علقماً!وأيام لعبي بأيام شكّ وحذر وخوف من الآخر!وتجوالي في أسواقها بحبس منفرد في بيتي!فكنت في هذه السنة كمن يسقط من فضاء شديد الإنارة إلى هاوية أشد ظلاماً!لهذا فلم أستطع أن أرى الأشياء على حقيقتها بوضوح!.

لقد أنستني هذه السنة ما كان قبلها من سنوات لعب ولهو!ولم تكتف بذلك بل أخرجتني من طفولتي البريئة قبل الأوان!وجعلتني أراجع كل القيم والمفاهيم المُعلبة التي كانوا قد زرعوها في عقلي الصغير قبل هذه السنة!فتأكد لي من خلالها أننا أمة لا تتطابق أفعالها مع أقوالها!وبأننا أمة نضمر في باطننا غير ما نقوله بألسنتنا!وبأننا أمة نتقن فن اللعب والتلاعب بالكلمات!كي نقلب الحق باطلاً والباطل حق عندما نريد وفي أي وقت نريد!وبأننا أمة نتقن فن الدوران حول الهدف وبأي زاوية نريد!.

والآن وبعد أن هدأت النفوس! ولعب من لعب!وقال من قال! وكتب من كتب!وبان الحق من الباطل!وتكلم السّاسة والقادة عن حرب الخليج كل فيما يخصّه ويهمّه!ونشرت الصحف والمجلات ومحطات التلفزة والإذاعات التحليلات والمقالات التي كانت تريدها أن تصل للقارئ بغثها وسمينها!جاء دوري كطفل عربي فلسطيني (لا ناقة لي ولا جمل) لأروي لكم كيف تتكون النهايات قبل أن تدوّن!؟.
