
ما جعلني أكتب في هذا الموضوع دون غيره من المواضيع هو ما أراه وأسمعه من (منظري) التربية والتعليم الجدد وهم يترجمون لنا تجارب الأمم والشعوب الأخرى في التعليم والتعلم وينقلونها لنا كما هي حرفياً ويتناسون ما هو مدفون في تراثنا القديم لا لشئ بل لأنهم لا يريدون أن يُتعبوا أنفسهم ويبحثوا ويفكروا فيما يجدونه في تراثنا!.

وكمثال على ما هو مدفوناً في تراثنا القديم ولم ينتبه له أحد ما كان قد جرى من حوار سريع بين أعرابي وعلي بن أبي طالب عندما سأل الأعرابي سيدنا علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) في يوم من الأيام عن (عدد) تصحّ قسمته على كل من الأعداد العشرة الأولى دون أن يوجد كسر في الناتج؟فأجابه (رضي الله عنه) قائلاً له:إضرب عدد أيام (جمعتك) في عدد أيام (شهرك) في عدد شهور (سنتك) يظهر لك العدد المطلوب!.

بهذه الكلمات البسيطة أراد سيدنا عليّ أن يُعلم مدرسينا الأفاضل عموماً ومدرّسي الرّياضيات خصوصاً أصول وقواعد التربية والتعليم في أيّ زمان ومكان فعندما سأله الأعرابي عن عدد يقبل القسمة على جميع الأعداد: 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 ، 10 فيكون سؤال الأعرابي بلغة رياضيات هذه الأيام أوجد المضاعف المشترك الأصغر (م . م . ا) للأعداد من 1 إلى 10 فكان جوابه أن هذا العدد = عدد أيام الأسبوع × عدد أيام الشهر × عدد شهور السنة = 7 × 30× 12 = 25200.

وهو بهذا يعلّمنا التواضع في التعليم دون أن نشعر!فعليّ هو باب مدينة علم رسول الله يفتح على أعرابي بسيط فلم يُغرقه في علمه الواسع!بل خاطبه على قدر عقله!واستخدم ما عند هذا الأعرابي من معلومات!وأشعره بأنه يعلم ما كان يسأل عنه لكنه بحاجة إلى التفكير!فحرّض عنده ملكة التفكير!ورسم له الخطوط العريضة لحل المشكلة التي يسأل عنها!ولم يعطه الجواب دفعة واحدة لأنه لو فعل مثل ذلك ـ وهو قادر عليه – لكان قد ألغى دوره كمتعلم!بل شاركه في عملية التعليم ولم يشرح له كل شيء بل ترك له مجالاً ليفكر ويستنتج الجواب بنفسه!وعندها سيشعر المتعلم بمتعة عظيمة وبثقة في النفس كبيرة!وسيقبل على التعليم بحب ورضا!وهذا هو مفتاح التربية والتعليم في كل زمان ومكان!.

لاحظوا التواضع في أخلاقه عليه السلام عندما قبل السؤال بغض النظر عن السائل!ولم ينزعج أو يُزعج من سأله!ولاحظوا أيضاً التواضع في الإجابة على السؤال فلم يفعل كما يفعل بعض المعلمين في هذه الأيام عندما يفشل في إيصال المعلومة إلى طلابه فيختال أمامهم كالطاووس ليقنعهم بقدراته الخلاقة!ولم يجب الأعرابي مباشرة رغم أنه يستطيع ذلك ليظهر أمامه أنه عبقري زمانه أو ليريح نفسه من عناء التعليم!.

ولم يستخدم معه أسلوب التلقين كما يفعل بعض المعلمين عندما يعطون الطالب كل شيء ويلغون دوره ويجعلونه متلقياً فقط!وينسون أو يتناسون أنهم بذلك يعلمون أنفسهم فقط!وهم بذلك يقلدون النعامة عندما تدفن رأسها في الرمال وتعتقد أنها أخفت جسمها كله!لكنه استفاد مما عند الأعرابي من معلومات وسخرها في خدمة عملية التعليم!فالأعرابي يعلم عدد الأيام في الأسبوع وعددها في الشهر ويعلم أيضاً عدد أشهر السنة فاستخدم الإمام هذه المعلومات في توصيل ما يريد لهذا الأعرابي البسيط!.
