
التقيته صدفة في المدرسة فهو معلم زميل لكنه كان يُدرّس في جناح آخر غير الجناح الذي كنت أعمل به، وعلى الفور بدأ يُحدثني عن زهده في الدنيا وطمعه في الآخرة وزوجته المُنقبة، حتى أنه وصل به الأمر إلى فصل النساء عن الرجال إذا التقى مع إخوته وأخواته في المُناسبات الخاصة، بحجة درء الشبهات مما أزعج أمه وجعلها في حيرة من أمرها فهل هي تجلس مع الزوجات أم مع أولادها الرجال؟ مما جعلها تتهمه وزوجته بتشتيت شمل العائلة بعد أن انضمت هذه المنقبة إليها، لكنه لا يخشى في الحق لومة لائم حتى ولو كانت أمه.

قام صاحبنا بإقناع أخيه الأصغر المغترب في إحدى دول الخليج العربي بأن يُعطيه مالاً ليفتح به مكتبة يديرها بعد دوامه في المدرسة، واتفقا على توزيع دخلها: ثلث له مقابل عمله فيها، وثلث لأخيه مقابل ماله الذي سيدفعه، وثلث لله تعالى، واستطاع أن يقنع أخيه بقوله: إن الغربة لا بد لها من نهاية، وعلى المغترب أن يبني لنفسه ولولده في بلده الأصلي الذي سيعود إليه في يوم ما. كبر في عيني هذا الزميل التّقي النقي الورع لاهتمامه بأخيه أولاً ولإصراره على طاعة الله ورسوله في كل شيء حتى في البيع والشراء.
