
كان لي صديق مخضرم عاش “الخريف” العربي في الماضي بكل أبعاده وشاهد بأم عينيه لصوص الخشب وهم ينهالون على شجرة الصفصاف تقطيعاً ليبنوا من خشبها بيوتاً لهم ولم يكتفوا بشجرة الصفصاف وحدها فقط بل سرقوا أيضاً أوراق كل الأشجار المحيطة بها لتغطية سقوف بيوتهم وتركوا هذه الأشجار عارية لأنهم يعلمون جيداً أن الأشجار لا تعطي وهي عارية. وكان صديقي المخضرم هذا يتعامى عن كل ما فعله ويفعله هؤلاء اللصوص.

لكن صديقي هذا الذي أحدثكم عنه كان يردد دائماً على مسامعنا بأن (الأرض لمن يفلحها)، وانشغل طيلة هذه الفترة السابقة بمثل تلك الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حتى أنه في يوم من الأيام طالبنا بأن نستبدل حميرنا وبغالنا بالدب الروسي وبقي على هذا الحال إلى أن سقط الجمل بما حمل وانهار الإتحاد السوفياتي وانهار صاحبنا معه، وسقط مغشياً عليه في المستشفى (الأمريكي) في مدينة عمّان وليس في المستشفى (الروسي).

في أحد الأيام التي كنت أزوره فيها خطر في بالي وأنا أجالسه أن أستفيد من تجربته “النضالية” الطويلة فسألته: ما هو أصعب موقف يمر به الإنسان في هذه الحياة؟ فقال: إن أصعب موقف يمر به الإنسان هو عندما يكتشف بعد أربعين سنة (مثلي الآن) أنه كان يسير في الاتجاه الخاطئ عندها لا يستطيع الاستمرار في الخطأ ولا يستطيع الاعتراف به أو التراجع عنه.
