
كان لوالدي، رحمه الله، صديقٌ عزيزٌ عليه من قرية مجاورة لقريتنا. وفي يوم من الأيام حضر هذا الصديق عند والدي ليستدين منه مبلغاً من المال قدره خمسة حنيهات فلسطينية على أن يسدّها له خلال أسبوع من تاريخه وأعطاه والدي كل ما يملك في ذلك الوقت، وأشعره بذلك ليكون حافزاً له على سرعة السداد، لكن هذا الرجل أخذ المبلغ من والدي وتركه صفر اليدين وعاد إلى قريته سالماً غانماً مبسوطاً.
بدأ والدي ينتظر مرور هذا الأسبوع على أحر من الجمر، ومضى الأسبوع ولم يحضر صديقه، وانتظره أسبوعاً ثانياً وأسبوعاً ثالثاً ولم يحضر، فما كان من والدي إلا أن قام بزيارته في قريته ليطمئن عليه وعلى أحواله فوجده في أحسن حال. وعندما طالبه بتسديد دَيْنه وعده أن يحضر إلى عنده خلال أسبوع من تاريخه ومعه كامل المبلغ المطلوب. عاد والدي إلى بيته وأخذ ينتظر قدومه وانتهى الأسبوع ولم يحضر وانتهى الأسبوع الثاني والثالث ولم يحضر، فاحتار والدي في الأمر إلى أن خطرت في باله فكرة لا تخطر على بال أحد.

كانت الفكرة أن يطلب والدي من أمي أن تجهز نفسها هي وأولادها الثلاثة للقيام بزيارة خاطفة لصديقه العزيز في بيته دون أن يفصح لها عما يجول في خاطره. وعندما وصلوا إلى بيت هذا الرجل رحّب بهم، لكن قبل أن ينهي كلامه قال له والدي: نحن هنا لسنا من ضيوفك كي ترحب بنا، نحن سنقيم عندك في بيتك حتى تدفع لنا كل ما عليك من دين. فها هي زوجتي وأبنائي جميعاً جاهزون للإقامة عندكم حتى ذلك الحين.
