
(كرافتة) كلمة مُحرّفة ومُشتقة من كلمة (كروات) أما لماذا اشتقت هذه الكلمة من كلمة كروات؟لأن أول من لبسها كانوا هم الجنود الكروات في الحرب الأوربية الداخلية التي كانت قد حدثت في القرن السادس عشر وكانت هذه الكرفتا في ذلك الوقت عبارة عن (شال) يلفه الجندي الكرواتي حول عنقه!وعندما اشتدت الحرب أكثر بين الكروات وخصومهم كان الخصوم يعدمون الجنود الكروات بتعليقهم بالشالات التي كانوا يرتدونها في أماكن تواجدهم في جميع أنحاء أوروبا وخاصة في فرنسا.

لهذا فقد أعجب الشعب الفرنسي بربطة العنق هذه وتأثر بها أكثر من غيره من شعوب أوروبا في ذلك الوقت حتى أنه تم إدراجها من ضمن الزي الوطني الرسمي لكبار الساسة والقادة المهمين في زمن الملك لويس السادس عشر وإمتد استخدامها ليشمل عامة الشعب الفرنسي وأطلقوا عليها إسم (Cravate) وأصبحت ربطة العنق وطريقة ربطها هي التي تحدد مدى أناقة الشخص الفرنسي الذي يلبسها في ذلك الوقت أما في هذه الأيام فقد أصبحت ربطة العنق موضة متجددة تلبس في الليل والنهار وعلى مدار فصول السنة وأصبحت يذلك موضة غير قابلة للزوال في جميع أنحاء أوروبا حتى أنها أصبحت هي القاسم المشترك في كل عرض من عروض الأزياء في العالم أجمع.

ولم يقتصر لبس هذه الربطة على الرجال فقط بل امتدت إلى أن دخلت إلى عالم أزياء المرأة أيضاً في السنوات الأخيرة حين قدم مصمموا الأزياء العالميون موديلات ملابس نسائية تعتمد في معظمها على ربطة العنق ولم يقتصر استعمالها على بلد المنشأ أوروبا بل امتدت وانتشرت في كل دول العالم ما عدا إيران فكانت إيران ولا زالت هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع شعبها من لبس ربطات العنق!فبعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بقيادة الخميني التي كانت قد صبّت نار غضبها على هذه الربطات واعتبرتها رمزاً للثقافة الغربية الإستعمارية ومنعت مواطنيها من بيعها أو شرائها وحتى عرضها في محلات الأزياء هناك!.

أما أنا فقد اكتشفت نفسي منذ الصغر بأني مؤيد للفرنسيين ومخالف للإيرانيين دون أن أدري!لأنني كنت قد أعجبت بربطة العنق هذه أشد الإعجاب!لكنني لم أعد الآن أتذكر أين ومتى رأيت أول ربطة عنق في حياتي لأول مرة؟لكنني أكاد أجزم أنني لم أرها على أحد من سكان قريتي!لأن حياتنا في القرية لا تحتاج منا إلى ربطات عنق!وهذا يعني أنني كنت قد رأيتها على أحد أساتذتي الكرام في مدرسة مزارع النوباني وعارورة الثانوية عام 1956 عندما دخلتها لأول مرة وأنا في الصف الأول الابتدائي ولا أدري أيضاً لماذا استهوتني هذه الربطة أكثر من غيرها؟حتى أنني أصبحت مهووساً بها فكنت كلما وقع بيدي حبل أو شريط من قماش أحاول أن أجعله على شكل ربطة عنق!.

وبقيت على هذا الحال أتفنن في ربط حبل أو شريط من القماش إلى أن جاء اليوم الذي ذهبت فيه مع أهلي إلى مدينة نابلس وكنت وقتها في الصف الرابع الإبتدائي وأخذوني إلى سوق (المنارة) الذي كان يحوي كل شئ وكل ما لذ وطاب في تلك الأيام!وعرضوا علي شراء شيئاً واحداً من هذا السوق فاخترتُ ربطة عنق بعد أن رأيت سلة مملوءة بربطات العنق القديمة المعروضة للبيع!واحتارت أمي في طلبي هذا وحاولت أن تثنيني عنه لكنها أخيراً رضخت تحت إصراري الشديد واشترت لي ربطة عنق!لكنها سألتني بشئ من العتب!هل تتقن ربطها يا بنيّ؟وهل يوجد من يساعدك على ربطها؟قلت:لا قالت:لماذا تشتريها إذن؟!.

فأجبتها:من أجل ذلك أريدها!فأنا أريد أن أتعلم ربطها دون معلم!وعندما إشترتها لي أمي لم أصدق نفسي أن معي ربطة عنق حقيقية!وبدأت في الحال أتعلم على ربطها وحدي وأنا في الشارع حتى أنني لم أنتظر وصولي إلى البيت!وكنت مرة أصيب ومرات أخيب!وبقيت أحاول إلى أن أتقنت ربطها وحدي دون أن يعلمني على ربطها أحد عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي!.
