ظهر من التقارير الواردة إلى هذا القسم خلال العام الدراسي الحالي 1974/1975 أن عملك كان في مستوى يدعو إلى تهنئتك وتوجيه الشكر إليك لتقديرك الواعي للمسئولية الملقاة على عاتقك وتفانيك في خدمة طلابنا الذين نبني على مستقبلهم كبير الآمال مما ساعدهم على تحقيق نتائج مشرفة راجياً أن تحرص على الحفاظ على مثل هذا المستوى وأن تستمر في العمل بمثل هذه الروح الطيبة لتحقيق نتائج أفضل في العام القادم مع تمنياتي لك بالتوفيق والنجاح.
سليمان هذا الذي أنوي أن أحدثكم عنه كان أحد طلابي في ثانوية حولي المسائية بدولة الكويت التي كانت تديرها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1975، وكان في ذلك الوقت شاباً طويل القامة عريض المنكبين أسمر البشرة مفتول العضلات يعود بأصله إلى إحدى قرى فلسطين، أما لماذا لم أنسه طيلة هذه السنين فلأنه من الناس القلائل الذين لم يضعوا القناع على وجوههم ولم يُغيروا جلودهم في الأيام التي كانوا قد عاشوها في الكويت، فبقي بسيطاً كبساطة الناس في قريته وصريحاً كصراحتهم.
طبق السلطة الذي أخّره عن الحصة
في أحد الأيام حضر هذا الطالب متأخراً عن الحصة وكان عندي تقليد أن لا يدخل الصف أي طالب بعد دخولي، وعندما قرع باب الفصل ليدخل لم أسمح له بالدخول فقال: أستاذ ممكن تسمع عذري عن التأخير ولكن بيني وبينك؟ قلت له: حسناً، واقتربت منه أكثر كي لا يسمعنا أحد وقلت له: هات ما عندك، فقال: نحن في البيت ثمانية أولاد وأبي تاسعهم وأمي مسؤولة عن إطعام كل هؤلاء جميعاً، وعندما جاء موعد الغداء طلبت مني والدتي أن أساعدها في تجهيز السلطة فأطعتها فتأخرت عن حصتك.
مدينة عمان
تعاطفت مع هذا الشاب وأعجبتني صراحته وبساطته وسمحت له بالدخول، وبعد هذه الحصة أصبحنا أصدقاء وتعرفت عليه أكثر وبقيت صداقتنا إلى أن تخرج هذا الطالب من هذه المدرسة فغاب عني وانقطعت أخباره إلى أن التقيته صدفة في مدينة عمان فأخذني بالأحضان وقال: أتعرفني؟ قلت: وهل أنساك؟ قال: من أنا؟ قلت: أنت من كنت تُحضر طبق السلطة لعشرة أشخاص قال: ما شاء الله عليك ذاكرتك قوية قلت: صراحتك وبساطتك هي التي حافظت على ذاكرتي، قال: ما شاء الله عنك.
قال نعم تزوجت وعندي طفلتان
قلت: خبرني يا سليمان عن أحوالك في هذه الحياة بعد هذا الغياب الطويل هل تزوجت؟ قال: نعم وعندي من زوجتي طفلتان فقلت له: هذا يعني أنك كنت قد اكتشفت فوائد الزواج مبكراً إن كان له من فوائد فقال: فوائد الزواج كثيرة يا أستاذي أهمها أن هذا الزواج كان قد عرّفني على اسمي الحقيقي بعد أن أنستني إياه أمي وأختي سامحهما الله.
أردوغان وهو يقبل يد أمه
قلت: وكيف ذلك؟ قال: عندما كنت أعزباً أعيش مع أمي لا أذكر يوماً من الأيام كانت قد نادتني فيه باسمي الحقيقي بل دائماً ما كانت تناديني يا قشيلان فقلت: والآن بماذا تناديك زوجتك؟ قال: تزوجت من امرأة شامية وعندما نادتني لأول مرة: ابن عمي سليمان… تؤبرني… غلي ألبي عليك ابن عمي، فذكرتني باسمي الحقيقي بعد أن أنستني إياه أمي طيلة هذه السنين سامحها الله، فما كان مني إلا أن ضحكتُ ضحكة لم أضحكها من قبل وقلت في نفسي: صدق من قال أن من شبّ على شيء شاب عليه.