
على مدى سنتين متتاليتين تمكن الصديق العزيز (فارس دبابنة) من أن يعيد لي ذكريات هامة في مرحلة الطفولة المبكرة كادت الغربة أن تمحوها من الذاكرة. ومن أهم هذه الذكريات ما كان يسمى بـ (خميس البيض) في فلسطين وهو أول يوم خميس من شهر نيسان من كل سنة، وفي هذا اليوم كان الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران يتفننون بسلق العشرات من بيض الدجاج وبيض الشنانير وبيض الحبش ويقومون بصبغها بقشر البصل أو بورق اللوز أو بزهرة حنون البس أو بأي ورق أخضر ثم يقومون بوضعها في (قبعة) مصنوعة من القش وتوضع في مدخل البيت في هذا اليوم.

ثم يذهبون بهذا البيض المسلوق إلى المقبرة لتوزيعها على الأطفال عن أرواح موتاهم، فكانوا يعطون كل طفل يمر عليهم في المقبرة (بيضة) يختار لونها وحجمها بنفسه، وكنا كأطفال ننتظر ذلك اليوم على أحر من الجمر، لا لنأكل البيض ونشبع منه فقط (لم يكن البيض متوفراً كما هو الآن) بل لنقوم بجمعه والتباهي به أمام الأطفال الآخرين أمثالنا من جهة، ومن جهة أخرى كي نلعب به أيضاً.

وكنا في ذلك اليوم نلعب بما كنا قد جمعناه من بيض مع بعضنا البعض بأن يمسك أحدنا بيضة بشكل رأسي ويلف كفه وأصابعه حولها ويُظهر منها الجزء الذي يعتقد أنه أقوى منطقة في البيضة، ثم يأتي الآخر ببيضة مثلها ويضرب بها هذه البيضة ومن تنكسر بيضته يخسرها، أما الأطفال (الدهاة) فكانوا يضعون في يدهم (حجراً) ويضعون فوقه قشرة من البيض مصبوغة، ليوهموا غيرهم أن ما بيدهم هي بيضة وبعد أن يكسبوا كمية لا بأس بها من البيض يكتشفهم باقي الأطفال فيقاطعونهم ولا يلعبون معهم في السنة القادمة.
