لا كاني ولا ماني


296
المشكلة الأزلية بين الحاكم والمحكوم

المشكلة الأزلية بين الحاكم والمحكوم قديمة جداً فالحاكم لا يريد غير السمع والطاعة من رعيتة وله هدف واحد هو أن يضع الجميع في جعبته فإذا تمرد عليه أحد المحكومين المهمين أو حاول التمرد أو لم ينضم إلى جوقته عندها سيكون هذا الشخص الشغل الشاغل لهذا الحاكم فإما أن يسجنه وهو قادر على ذلك فيزيد بذلك من تعلق الناس به أكثر أو أن يتسامح معه في الظاهر ويعمل على تشويه صورته في أعين الناس فيبعدهم عنه وتصفو له الحياة.

d8b5d988d8b1_d8a7d8b4d987d8b1_d985d984d988d983_d8add983d985d988d8a7_q1
الوالي 

يُروى أن قاضياً من قضاة الحاكم في أحد الأقاليم كان قد تمرد على الوالي فما كان من هذا الوالي إلا أن بعث بأعوانه إلى هذا الإقليم ليقتفوا أثر هذا القاضي ويُعلموا الحاكم عنه أولاً بأول وبكل صغيرة وكبيرة عنه ماذا يأكل؟  وماذا يشرب؟ وأين يذهب؟ وماذا يقول؟ وأين يسافر؟ وكيف يعامل من حوله من أهله وعشيرته؟ وكيف يحكم بين المتقاضين؟ وما أن يعلم الحاكم بكل هذه المعلومات حتى يقوم بدراستها مع أعوانه ويخرجوا بقرار يجعل الناس يضعون أصابعهم في آذانهم كلما صدر من هذا القاضي كلاماً ينتقد به الوالي.

hanawey_org_12
أطفال القاضي 

وفي أحد الأيام أدخل القاضي إلى بيته جرتين أثارتا استغراب المُخبرين لأنهم تعودوا أن يروه خاوي الوفاض كلما تخطى عتبة منزله فلم يتأخروا عن نقل هذا الخبر إلى الوالي معتقدين أن في الأمر سرّا سينالون به رضا الوالي وبعد أن أخبروا الوالي بذلك سألهم على الفور عمّا بهما فلم يعرفا الجواب عندها أعطاهم الوالي مهلة قصيرة ليحيطوه علما يقيناً عن ما بداخل هاتين الجرتين وفكر المخبرون في الطريقة التي توصلهم إلى المُبتغى فلم يجدوا إلا أطفال القاضي ليحتالوا عليهم فتقدّموا إليهم وهم منشغلون باللعب في الزقاق القريب من بيت القاضي بعد أن علموا أن القاضي في صلاة المغرب ليطلبوا منهم ماءاً بارداً من جرتيّ القاضي فاستجابت برائة الأطفال لمطلبهم وغرفوا منهما وقدّموا للطالبين ما أرادا.

كاني وماني أي السمن والعسل
الكاني والماني أي السمن والعسل

وبعد أن شربا ما في الكأسين من ماء احتارا في ما سيقولانه للوالي فلم يجد أحدهم إلا  أن يستعين بمخزونه الثقافي فكلمة (كاني) تعني السمن وكلمة (ماني) تعني العسل باللغة المصرية القديمة وهما أفضل هدية يقدمهما الفقراء إلى كهنتهم فقالوا للوالي: إن ما بداخل هاتين الجرتين لهو السمن والعسل والتقطها الوالي واتهم القاضي بالارتشاء وبرر اتهامه هذا بان راتب القاضي في سنة كاملة لا يدفع ثمن الجرتين إذن من أين له ثمنها؟ فهي رشوة وأشاع بين الناس أن القاضي لا يأكل إلا كاني وماني وصدّق الناس هذا  القول وانفضوا عن هذا القاضي ونال الوالي مبتغاه وأصبحت هذه الكلمات تقال للمقتدرين والمتنفذين عندما يُطلب منهم طلباً ما فيتبع الطالب طلبه بقوله: لا تقل لي كاني ولا ماني كي يسد عليهم أبواب التذرع بعدم مقدرتهم على تلبية طلبه.

من كل بستان زهرة