
كان كل بيت من بيوت القرية في الماضي يقتني ما تيسر له من طيور الدجاج البلدية البياضة (لم نكن قد تعرفنا بعد على الدجاج اللاحم) كي تكون بديلا لأهل هذا البيت عن اللحمة لو غابت ولهذا كانوا لا يذبحون دجاجة من دجاجاتهم إلا إذا مرضت أو أنها أصبحت عُتقيّة (لا تبيض) أو عند قدوم ضيف عزيز عليهم وكنا كأطفال نفرح إذا مرضت عندنا دجاجة أو إذا لم تعد تبيض أو إذا حل ضيف عزيز علينا وهذا يعني لنا كأطفال أن دجاجة اليوم سنذبح لكننا لم نكن نعرف كيف ستطبخ هذه الدجاجة؟أهي ستتوسط سدراً من المفتول أم تعلو أرغفة عديدة من المسخن.

هذا بالنسبة لنا كأطفال أما بالنسبة إلى أمهاتنا فكن يعتبرن بيض الدجاج هو بنك الأسرة الوحيد فذبح دجاجة عندهن يعني أن أحد فروع هذا البنك قد أغلق لأن بيض الدجاج في ذلك الزمان كان هو المصدر الوحيد لدخل الأسرة وكان لهذا البيض مشترين متجولين بين القرى يقومون بشرائه كل بيضة بقرش ومن هذا القرش كانت المرأة تشتري من الباعة المتجولين ما يلزمها وما يلزم بيتها أيضاً وإذا كان عندها أولاد في المدارس كانت تشتري لهم متطلباتهم المدرسية وفوق ذلك تدخر من هذا القرش للأيام القادمة والأهم من ذلك كله أن هذا البيض كان بمثابة الوجبات السريعة في هذه الأيام لها ولزوجها وأولادها.

ولم تكن أمهاتنا يستسلمن بسهولة عند ذبح إحدى دجاجاتهن فكن يقمن بمحاولات عديدة قبل ذبج إحداها فكن إذا مرضت لإحداهن دجاجة تسلم أمرها إلى الله وإذا حضر عندها ضيف عزيز فلا حول ولا قوة إلا بالله أما إذا امتنعت دجاجة من دجاجاتها عن إنتاج البيض لترقد فعلى هذه الدجاجة أن تتعرض يومياً إلى دش من المياه الباردة من قبل صاحبتها إلى أن تعود بياضة وإذا لم تعد هذه الدجاجة بياضة فيقدر عليها الذبح في أقرب فرصة سانحة.
