
سار صاحبنا في أحد الشوارع الخلفية كي يختصر طريقه إلى منزله وإذا به يطل من بعيد على بيت كبير يتصل فنائه بأرض الشارع وعندما إقترب منه أكثر وجد فيه رجلاً مسناً يجلس تحت أشعة الشمس الدافئة لتمده بالطاقة التي يحتاجها بعد أن عجز جسمه النحيل على توفيرها له وما أن دخل صاحبنا في مجال الرؤية لهذا الرجل المسن حتى صاح به هذا الرجل قائلاً: تعال يا شيخ واجلس معي وحدثني عن نفسك وعن الآخرين فأنا أريد أن أجلس مع أي بشر لأنني نسيت كيف يتكلم الناس؟.

احتار صاحبنا في أمر هذا الرجل المسن بعد أن رأى الكثير من الرجال والنساء والأطفال والخدم والحشم يسرحون ويمرحون من حوله فسأل صاحبنا نفسه على الفور: لماذا هذا الرجل يشكو من العزلة والوحدة وحوله كل هذا الحشد الهائل من الناس؟ إن في الأمر لسر عظيم يجب عليّ إكتشافه في الحال فلو أن كل شخص موجود في هذا البيت نطق مع هذا الرجل المسن كلمة واحدة لتعب هذا الرجل المسن من كثرة الكلام.

وما أن سمع صاحبنا نداء هذا الرجل المسن حتى حاول أن يستجيب لندائه هذا لكن قدماه لم توافقاه على ذلك بحجة أنهما سيدخلان بيتاً لا يعرف صاحبهما سكانه لكن صاحبنا أرغمهما على السير باتجاه هذا الرجل وما أن وصله حتى وجده يجلس على كرسي بلاستيكي أبيض وأمامه طاولة دائرية بلاستيكية صغيرة وفوقها زجاجة مملوءة بالماء البارد ومعها حافظة للقهوة العربية.

ما إن رأى الرجل المسن صاحبنا حتى وقف له لتحيته وبعد أن صافحه أمره بالجلوس أمامه على كرسي مشابه للكرسي الذي كان يجلس عليه وعلى الفور قام بسكب القهوة العربية له في فنجان بلاستيكي وقدمها لصاحبنا بيدين ترتجفان!فشرب صاحبنا قهوته وقام بهز الفنجان شاكراً وقبل أن يعيد الرجل المسن الفنجان إلى مكانه سأل صاحبنا: من أين أنت يا شيخ؟ فرد عليه صاحبنا وقال: أنا جارك السابع في هذا الحيّ فأجابه الرجل المسن: أنا سألتك عن أصلك يا ولدي؟ فقال له صاحبنا: أنا أصلي من فلسطين فقال له الرجل المسن: أنا من مدينة السلط يا ولدي يا خسارة ضاعت فلسطين بعد أن كنت أذهب لها مشياً على الأقدام.

وبدأ الرجل المسن يروي ذكرياته عن فلسطين وكاد هذا الرجل أن يُبكي صاحبنا بعد أن فاضت عيناه بالدموع فخاف صاحبنا أن تنقلب جلستهم هذه إلى جلسة نواح فغير صاحبنا مجرى الحديث على الفور بأن سأله سؤالاً إستطاع به أن يُغيّر مجرى الحديث عندما قال له صاحبنا: قل لي بربك يا رجل كيف تشكو من الوحدة وحولك هذا الكم الهائل من البشر؟.
إذا اردت أيها القارئ الجواب فتايع القراءة ………