الدنيا حكايات
(21) استراحة المحارب (21)
الجمعة 4/11/2016:

هذا الأسبوع هو استراحة المحارب، المحارب الذي يقاتل على جبهات عدة، جبهة المرض وتبعاته، وجبهة الأدوية وآثارها الجانبية، وجبهة الأجهزة الطبية الملازمة، وأشرس هذه الجبهات الاستمرار بالاستغناء عن سموم النيكوتين، والتي أدمن عليها الجسم طوال نصف القرن الماضي. ورغم أنني لست متأكداً أن وصف استراحة وصف صحيح، إلا أنه من الواضح أن عدم زيارة المستشفى كفيلة بإضفاء صفة الراحة على هذه الأيام.

لازمني طوال الأسبوع شعور عام بالإرهاق والتعب المستمر، أضف إليه عدم التركيز وسرعة الملل من أي عمل أقوم به. أما الطعام، وما أدراك ما الطعام، فلم أعد أميز بين اللحمة والسمك، أو بين الفول والحمص، فقد استوت كل النكهات في فمي، فكلها طعمها مر، وإن لم يكن مراً فهو كطعم التراب. كما أني مضطر لقياس نسبة الأكسجين في دمي عندما أشعر بالتعب، وهذا ما يحدث بضعة مرات في اليوم الواحد. وإذا لزم الأمر، فلا بد من وضع الجهاز الذي يزود الجسم بالأكسجين اللازم.

مضى جلّ هذا الأسبوع ما بين مدٍّ وجزر، مما دعانا إلى الاتصال بعيادة الإقلاع عن التدخين لأخذ موعد معهم، علّنا نخفف من هذه الأعراض، إلا أن المركز حدد لنا موعداً بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع. وكمحاولة لتقريب الموعد، أرسلنا بريداً الكترونياً إلى أطباء العيادة، والذين قاموا مشكورين بالإيعاز لقسم المواعيد بتقليص فترة الانتظار إلى أقل من عشرة أيام. على صعيد آخر، فأنا من أشد المعجبين بالحفارة وما تصدره من أصوات توحي بقوة الإنسان وقدرته الخارقة على البناء والإعمار. إلا أن هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بالإزعاج الشديد من صوت الحفارة عند جيراننا الذين قرروا البدء ببنائهم قبل أيام قليلة. لا ألومهم، فربما السبب هو حالة الإرهاق التي أمر بها.
الأحد 6/11/2016:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيك تجديد

اليوم عيد ميلادي. اليوم أتممت سبعة وستين عاماً. ورغم أن الجميع يكرر هذا البيت من الشعر دائماً، إلا أنه يحمل معنىً مختلفاً هذه المرة؛ فلا تدريس، ولا رياضة صباحية، ولا حتى سفر، إنما أكياس من الدواء، وزيارات متكررة للمستشفى، ونفسية متقلبة طوال اليوم. ورغم كل ما سبق، إلا أن عائلتي أصرّت على الاحتفال بعيد ميلادي، فاستقبلتُ الهدايا والاتصالات ممن هم خارج الأردن، وزارني من هم داخلها. ربما كان وضعي الجسدي سيئاً هذه الأيام، إلا أن الزيارات والتهاني التي تلقيتها وجهاً لوجه أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في التخفيف من هذا الوضع، ولو مؤقتاً.
تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون
قصة سنغافورة

سئل (لي كوان يو) مؤسس دولة (سنغافورة) الحديثة: كيف إستطعت أن تحقق هذه المعجزة؟ فقال: أظن أنني لم أقم بمعجزة في سنغافورة، فأنا كل ما قمت به أنني خصصت موارد الدولة للتعليم، وغيّرت من مكانة المعلمين، فأخرجتهم من الطبقات الدنيا في المجتمع إلى المكان الذي يليق بهم، لأنهم هم من صنعوا لي هذه المعجزة التي تسأل عنها، وما على أيّ مسؤول يحب بلاده، ويهتم بشعبه، أن يفعل مثل ما فعلت مع المعلمين في بلده!.
من كل بستان زهرة
أتمنى لك كل الخير والتوفيق
أستاذنا الكريم، أسأل الله رب العرش العظيم أن يشفيك. الله يعطيك الصحة والعافية. أنا كنت أحد طلابك في ثانوية عبد الله السالم بالكويت. أتمنى لك كل الخير والتوفيق، ونسمع عنك أخباراً طيبة دائماً.
طُـلاّب درستهم ولا زلت في ذاكرتهم
أهلا بالمعلم الأب الأخ
أهلا بالمعلم الأب الأخ، أهلا بمن كاد بل كان رسولنا علماً وأدباً، أهلا بكم، أهلا أستاذ جميل.
طُـلاّب كنت قد درستهم ولا زلت في ذاكرتهم
ما زالت كلماتك و كتاباتك تؤنسني حتى اليوم
كان من حسن حظي، أنني كنت أجلس في أول درج ملاصق لطاولتك، فكنت في كل مرة أراقبك فيها وأنت تقتطع فيها من وقت الحصة دقائق معدودة لتنصح فيها طلاب صفك عن أفضل طرق النجاح في الحياة العملية، وأتذكر كذلك الوقت الذي كنت تقتطعه من حصة الرياضيات، لتقدم لنا النصائح وألاحظ نتيجة قربي من طاولتك الجهد المبذول والاخلاص في تقديم النصح من أعماق قلبك، حتى أن يدك كانت ترتجف أحياناً وتتساقط حبات عرق من جبينك. لم يسمح لك ضميرك أن تكتفي بالمنهاج المقرر، فشعورك الأبوي تجاهنا، ورسالتك كانت أسمى من ذلك بكثير، حتى بعد هذا العمر ما زالت كلماتك و كتاباتك تؤنسني وتلامس قلبي، أنتظرها وأجمعها كل فترة لأقرأها مرة واحدة جزاك الله عنا كل خير، بعدد حبات العرق وذرات الطبشور التي بذلتها وأنت تربينا.
طُـلاّب كنت قد درستهم ولا زلت في ذاكرتهم
حدث في أحد مساجدنا

في عام 2009 عرضت معظم تلفزيوناتنا العربية المسلسل السوري الشهير (باب الحارة) وتعلق معظم الناس به حتى المصلين منهم. وفي إحدى ليالي شهر رمضان المبارك بينما كانت تقام صلاة التراويح في أحد مساجدنا جاء موعد هذا المسلسل وبدأ بعض المصلين (يـتـنـحنـح) وهي إشارة يطلقها المصلون للإمام لإنـهـاء الصلاة أو تقصيرها على الأقل، ولكن هذا الامام لم يُلبّ مطلبهم هذا فزادوه (نـحـنـحـة) فلم يتحمل هذا الإمام ما بدر من هؤلاء المصلين فما كان منه إلا أن أدار وجهه نحوهم وقال:إن المسلسل الذي تطلبون تـبـثـه القناة الليبية في ساعة متأخرة من كل ليلة، لهذا عليكم أن تدعونا نكمل صلاتنا بهدوء دون نحنحة مقصودة.
الدنيا حكايات
اختلف مع سائق التكسي فاشترى سيارته

كان لي صديق من محدثي النعمة، أتته الأموال من حيث لا يدري. خطر في بال صديقي يوماً أن يأكل التين طازجاً، فالتين المتوفر في البقالة التي تجاور مسكنه، لم يعجبه، فقرر أن يذهب بنفسه إلى بائعي التين في شارع الجاردنز، ويشتري ما يحلو له من هناك. وما أن نزل من بيته إلى الشارع العام وجد سيارة تكسي تبحث راكب، فما كان من هذا الراكب إلا أن فتح باب السيارة وجلس في المقعد الخلفي، مما أثار حفيظة السائق. لكن هذا السائق لم يتكلم معه، وعندما سأله عن خط سيره قال له: أريد أن أذهب إلى شارع الجاردنز، وأشتري من هناك سلّة من التين، وبعدها تعيدني إلى المكان الذي ركبت معك منه، فقال له السائق: حاضر.
انطلق السائق بسيارته إلى شارع الجاردنز، يبحث له عن بائع تين، وعندما وجده، نزل صاحبنا من السيارة ليرى التين بنفسه ويشتريه، ولما لم يعجبه ذلك التين، عاد وطلب من السائق أن يذهب به إلى بائع تين آخر، فاستجاب له السائق، ثم نزل صاحبنا ليرى التين عن قرب، فلم يعجبه أيضاً، فطلب من السائق أن يذهب به لبائع ثالث… وهكذا إلى أن ملّ السائق، فقال لصديقي: هذا هو التين الموجود في البلد، عليك أن تشتري أو لا تشتري، فوقتي أثمن من أن تضيّعه في البحث عن التين.

قالها هذا السائق مع شيءٍ من الغضب، فردّ عليه صديقي: أنت تتقاضى أجرتك، وما عليك إلا تنفيذ ما أطلبه منك، فقال له السائق: أنا أريد أن أُوفّر عليك الوقت، والمال لا أكثر، فردّ عليه صديقي: أفهم من كلامك هذا أنك لم تعرف من هو الذي يركب معك في سيارتك؟ فقال له السائق: لا أعرف، ولا أريد أن أعرف، فقال له صديقي: إذاً ما عليك إلا أن تنزلني هنا في هذا المكان، كي أُعرّفك من أنا. نزل صديقي من التكسي، وقبل أن يدفع له أجرته، قرأ اسم المكتب التابع له هذا التكسي، ورقم السيارة.

شدّ صديقي الرحال مسرعاً إلى هذا المكتب، وما أن وصله حتى طلب من صاحبه أن يبيعه السيارة التي تحمل الرقم كذا وكذا الذي يحمله معه. على الفور وافق صاحب المكتب على طلبه هذا مقابل رفع سعر هذه السيارة أكثر بكثير من سعرها الحقبقي، لكن صديقي وافق وتمت عملية البيع. استدعى صاحب المكتب سائق السيارة المطلوبة لتسليمها له، وقبل أن تصل السيارة، طلب صاحب المكتب من صاحبنا، أن يبقي سائقها أجيراً على سيارته، فقال له صاحبنا: أنا اشتريت هذه السيارة كي أعاقب سائقها على ما فعله معي، فكيف تريدني أن أشغله عندي؟
الدنيا حكايات
لـمـن لا يـعـلـم
بالأمس القريب تسلل ضيف ثقيل (ورم سرطاني) إلى جسمي واستطاع أن يحتل جزءاً من رئتي اليمنى ويسكن بداخلها دون علمي لكن (الدكتور مأمون الزحلف) من طاقم المستشفى الإسلامي تمكن من اكتشافه واكتشاف مكانه وعلى الفور تحمل (الديوان الملكي العامر) تكاليف العلاج مشكوراً وبعد ذلك هب طاقم التجهيز والمساعدة (الدكتور محمد معكوسة والدكتورة هبة فرفورة والدكتورة رزان الفار) من كادر مركز الحسين للسرطان وقاموا بتجهيز كل ما يلزم للطبيب المعالج (الدكتور طاهر أبو حجلة) فشكراً لمن اكتشف هذا الضيف الثقيل وشكراً لمن تحمل تكاليف علاجه وشكراً لمن جهز للقضاء عليه وشكراً لمن تعهد بعلاجه.
والشكر الموصول لزوجتي (جمل المحامل) التي تلقت عني الصدمة وأدارتها باقتدار وشكراً للأعمدة الثلاثة أولادي الدكتور علاء والمهندس بهاء والمهندس ضياء الذين رفعوني على أكفهم وشكراً لأصدقائي وطلابي في كل مكان الذين رفعوا من معنوياتي والشكر الموصول أيضاً لكل من رفع من معنوياتي دون أن يعرفني وشكراً لكل من عرفني وعندما علم بمرضي سأل عني وتمنى لي الشفاء.
ولن أنس أن أشكر أيضاً كل الذين عرفوني وعندما علموا بمرضي لم يسألوا عني (قلة قليلة من الأقارب كنت أخاف أن تجرحهم الريح يوماً ما) وما أن سمع الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي بوجود مثل هذه القلة القليلة الضالة الجاحدة حتى قال لهم على لساني:
أَقولُ للجَمْعِ الَّذين تجشَّموا هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنـائـــــي
سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّــــــاءِ
إنِّي أقولُ لهمْ ووجهي مُشرقٌ وعلى شفاهي بَسْمَةُ استهزاءِ
ترنَّموا مـا شئتمُ بِشَتَائمي وتجاهَروا مـا شئتمُ بعِدائـــــــــي
أمَّا أنا فأُجيبكمْ مِنْ فوقـكمْ والشَّمسُ والشَّفقُ الجميل إزائــــي
خيرت زوجتي فاختارت
