الستار الفاصل


الإثنين 31/10/2016: الجلسة الأولى من الجرعة الرابعـة

2016-11-04-14-20-25
أثناء جرعة الكيماوي

بعد الطقوس الصباحية المعتادة، من قياس للسكر وإفطار وقهوة بلا طعم، حيث لا سيجارة، انطلقنا إلى المركز لأخذ الجلسة الأولى من الجرعة الرابعة للعلاج الكيماوي. كان باقي نهارنا عادياً، إلا أن الحشرجة وضيق التنفس اشتدا مساءً حتى أنني لم أتمكن من النوم طيلة الليل. ورغم أن زوجتي وأولادي ضغطوا عليّ للذهاب إلى الطوارئ، إلا أنني لم أستجب، أملاً في التحسن، أو بالأحرى، هرباً من تبعات الزيارة، فأنا أعلم يقيناً أنني إذا دخلت إلى الطوارئ، فاحتمال أن أقضي الليلة بالمستشفى عالٍ جداً، ولا أظن أن أحداً يهوى النوم، هذا إن استطاع أصلاً أن ينام، في مستشفى. 

5883660597_a4a7ef2813_b.jpgها هو اليوم الأول دون دخان ينقضي. لا أنكر أنني لم أحنّ إلى سيجارة تملأ سمومها رئتاي المنهكتين، إلا أن شعوراً بالاشمئزاز كان يراودني، بل ويجتاحني، كلما تذكرت أن هذه السيجارة اللعينة كانت سبب ما أنا فيه الآن، ويمر بي شريط الذكريات عندما كنت أقرأ ما يُكتب على علب السجائر، وأعتبرها مجرد مبالغات عربية نستخدمها عند اللزوم، فأجدادنا كانوا من جهابذة المدخنين، ولم يٌصب أي منهم لا بسرطان ولا حتى بانفلونزا، أو هكذا كنت أقنع نفسي على الأقل.    

الثلاثاء 1/11/2016: الجلسة الثانية من الجرعة الرابعـة

2016-11-04-11-07-32-2
مع ضياء في الطوارئ

ما زالت الحشرجة، وضيق التنفس يلازمانني حتى اللحظة، ورغم ذلك ذهبنا إلى مركز الحسين للسرطان ظهراً لأخذ الجلسة الثانية. خرجنا من المركز إلى البيت عند العصر، إلا أننا عدنا إلى الطوارئ بحلول المغرب تحت ضغط علاء لليوم الثاني على التوالي، إذ شعر أنني لست على ما يُرام منذ الأمس، وحاول أخذي إلى المستشفى إلا أنني كابرت ثم استسلمت اليوم. في الطوارئ، قام الممرض بتركيب جهاز الأكسجين لي فور أن قاس نسبته في الدم حيث وجدها منخفضة، وبعد أن كشف الطبيب المناوب علي قرر إدخالي إلى المستشفى حتى تتم السيطرة على نقص الأكسجين. في تلك الليلة، ولعدم توفر غرف في المستشفى، اضطررت إلى البقاء بالطوارئ، ورغم طلبي المتكرر من عائلتي العودة إلى منازلهم، إلا أن زوجتي وضياء رفضا أن يغادرا قبل الواحدة ليلاً، وخرج علاء في الثالثة فجراً بعد أن أقنعته بالمغادرة حتى أتمكن من النوم، وهو ما لم يحدث، فالضجة والإضاءة وأصوات المرضى والطاقم الطبي لا تهيئ للنوم جواً أبداً، رغم كمية الأدوية التي تناولتها.

الأربعاء 2/11/2016:

2016-11-04-11-07-32-1
أنا والستار الفاصل بيني وبين جاري

في الصباح الباكر، جاءت زوجتي وعلاء حيث وجداني على أهبة الاستعداد؛ فهذه الليلة الثانية التي لا أتمكن من النوم فيها. وبعد مشاورة الأطباء، كانت المعضلة مزدوجة، حيث يجب السيطرة على ضيق التنفس بالإضافة إلى توفير غرفة في المستشفى لاستمرار العلاج الكيماوي، إذ يمنع قانون المركز أخذه في الطوارئ. مضى يومنا ساعين بين قسم الإدخال والطوارئ والطابق الخامس لإيجاد غرفة فارغة، وهو ما لم يحدث حتى المساء، وذلك بعد أن غادرت زوجتي وعلاء بقليل، وبقي ضياء عندي، إذ تم نقلي إلى غرفة مزدوجة تمكنت أخيراً من نيل قسط جيدٍ من النوم فيها، دون أن أعلم ماذا يجري خلف الستار الفاصل بيني وبين جاري.

untitledاستيقظت في الثالثة فجراً على صوت جلبة خلف الستار، فالمريض يئن وأحد مرافقيه يسعل أكثر منه، والممرضون ذهاباً وإياباً يحاولون إقناعه البقاء على السرير، وهو مُصرٌ على النوم معلقاً، وأحد مرافقيه مستمر بإدارة أعماله عبر الهاتف بصوت مرتفع، فيأمر بتحريك هذه السيارة، ويوعز بنقل تلك البضاعة. طبعاً لم تفلح محاولاتي بالعودة إلى النوم بعد هذه الجيرة المزعجة، فأمسكت جوالي أتفحص من خلاله العالم الافتراضي وأجول في شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن اقترب شحنه من الانتهاء فأرسلت إلى عائلتي أطلب منهم إحضار شاحن الجوال، إلا أنهم كانوا قد دخلوا المستشفى، جالبين معهم طعام الإفطار. 

الخمبس 3/11/2016:

2016-11-04-11-07-33
مع الأكسجين

لفت انتباه زوجتي كثرة سعال مرافق جاري خلف الستار، فمن يسعل هو مرافق المريض وليس المريض نفسه، فقامت تحتج إلى الممرض المسؤول، والذي أرسل إحدى الممرضات لسؤال المرافق الذي أقرّ بمرضه، مما دعانا إلى الخروج من الغرفة للمشي في الممر والجلوس هناك، وما بين الفينة والأخرى يأتي أحد أفراد المستشفى من أطباء أو ممرضين أو رجال أمن للطلب من مرافق جاري المغادرة، فيخرج لدقائق معدودة ثم يرجع إلى مكانه. أما أنا فبقيت في الممر وإذ بالطبيب الاستشاري المسؤول عن حالتي يقوم بجولته الصباحية ليراني جالساً خارج الغرفة، وبعد أن شرحت له وضعي وشكواي من جاري ومرافقه توقعت منه أن يقوم بحل المشكلة إلا أنه أخذ الموضوع إلى منحىً آخر، فبما أني بقيت دون جهاز الأكسجين كل هذه الفترة فبإمكاني الخروج من المستشفى إذا سمح أخصائي أمراض الرئة بذلك، وهو ما حدث خصوصاً بعد أن أبلغناه أننا سنحضر جهاز الأكسجين إلى المنزل.   

2016-11-04-21-39-15
جهاز الأكسجين

انطلق علاء وضياء لإنهاء إجراءات الخروج وشراء جهاز الأكسجين واستلام الأدوية من الصيدلية ونقل أغراضنا إلى السيارة لنصل المنزل مع المهندس الذي جاء لتركيب الجهاز وإرشادنا إلى طريقة استعماله. 

ولمن لا يعلم، فجهاز الأكسجين هو جهاز يقوم على استخلاص الأكسجين من الهواء وإيصاله بجرعات مركزة إلى المريض، ببساطة أكثر، أصبحنا نشتري الهواء بالمال! كان الله في عون من سيأتي بعدنا، فقد كنا نتندّر بأن الغلاء سيصل إلى حد أن يشتري الشخص الهواء، وهو ما يحدث الآن.

حضر بهاء مساءً من جدة، ورغم شعوري بالتعب الشديد والنعاس، إلا أنني لم أستطع النوم قبل أن يصل إلى البيت. وبعد حوار سريع  كانت هذه أول ليلة أنام فيها مع جهاز الأكسجين.    

تجربتي مع السرطان… من الألف إلى النون

 

10 آراء حول “الستار الفاصل

  1. استاذي العزيز، أتمنى لك الشفاء العاجل و النصر المبين على مرضك اللعين.
    اسأل الله ان يمدك بطول العمر ووافر الصحة العافية .

    Liked by 1 person

  2. بالسلامة إن شاء الله.. و إن شاء الله لن تحتاج الجهاز لأكثر من ليال معدودة.

    إعجاب

  3. شافاك الله و عافاك استاذي طهور أن شاء الله أحزنني خبر مرضك لكن وجدتك صابرا و متحديا نصرك الله في معركتك

    إعجاب

أضف تعليق