
اتصلت بي إحدى بنات التوجيهي تلفونياً وطلبت مني أن أقوم بتدريسها مادة الرياضيات في بيتها وعرّفتني على نفسها بأنها صديقة (فلانة) التي كنت قد درستها في السنة السابقة، وفلانة هذه كان قد أعجبني ذكاؤها وأدبها، وبما أن المرء على دين خليله وافقت على تدريسها، وسألتها عن مكان سكنها فحددت لي المنطقة التي تسكن فيها وقالت: عندما تصل الشارع (الفلاني) اتصل بي تلفونياً كي أدلّك على البيت وأنا سأقف من الآن في البلكون في انتظار وصولك.

وما أن وصلت ذلك الشارع قمت بالاتصال بها وإذا بها فعلاً تقف بانتظاري في البلكون، وعندما اقتربت منها أكثر ورأتني قادماً باتجاهها في الشارع أقفلت الموبايل الذي كانت تحمله وصاحت عليّ بأعلى صوتها: أستاذ… أستاذ… ليش ما معك دوسية؟ فاجأتني هذه البنت بسؤالها الساذج هذا الذي لم أكن أتوقعه، لكنني كظمت غيظي ولم أرد على سؤالها لسببين: السبب الأول أنها لم تراعي الزمان والمكان المناسبين والسبب الثاني أنني أعلم جيداً ما آل إليه التعليم في بلادنا في هذه الأيام بعد أن أصبح لكل معلم دوسيته الشافية الوافية.

وعندما لم تجد مني هذه البنت جواباً فهمت لوحدها أنها كانت قد أزعجتني بسؤالها فما كان منها إلا أن قالت بأدب كبير قبل أن أبدأ بتدريسها: أنا آسفة يا أستاذ إن كنت قد سببت لك إزعاجاً بسؤالي هذا، فلا تلمني لأن كل من درسني في السنوات السابقة كان معه دوسية يدرسني منها ويلغي الكتاب المدرسي وعندما رأيتك قادماً من بعيد دون أن تحمل معك دوسية راودني الشك بأنك لست المدرس الذي كنت أنتظره فسألت سؤالي هذا كي أتأكد من أنك أستاذي فعلاً ولست بعابر سبيل.

أعجبت ببساطة وأدب ونباهة هذه البنت، ولم أجبها على سؤالها المشروع بل تركتها لتجيب على سؤالها بنفسها، لأنها الآن في وضع لا تستطيع فيه أن تفهم ما سأقوله لها لو أجبتها على سؤالها. وبعد أن درستها الكتاب المدرسي وعلمتها طرق التفكير المختلفة وكيف تدخل على السؤال وكيف تخرج منه تغيرت شخصيتها وأصبحت هي التي تدرس وتحل الأسئلة وحدها ولكن تحت اشرافي وبعد شهرين من التدريس المتصل قالت: أستاذ هذه أول مرة أتعلم فيها الرياضيات.

الله يجزاك الخير فقد كنت من خيرة المعلمين الذين تتلمذا على ايديهم .
إعجابLiked by 1 person