قلت: أنا أعلم يا سيدي أن الولد يتزوج ليرتاح باله أولاً، ويرتاح بال أهله من بعده. لكن سرعان ما تظهر لهذا الولد وأهله مفاجآت غير سارة لم تكن في حسبان أحد منهم. وهذه المفاجئات قد تنغّص عليهم عيشتهم وخاصة إذا اكتشفوا أن هذه الزوجة التي لفّوا الأرض بطولها وعرضها حتى وجدوها قد جعلت من زوجها وأهله لعبة مُسليّة. أرجوك يا سيدي أن توضح لي كيف ومتى تبدأ خيوط هذه اللعبةبالظهور؟

قال: تبدأ خيوط هذه اللعبة بالظهور في الأيام الأولى من فترة الخطوبة.

قلت: وكيف يكون ذلك؟

قال: تقول الخطيبة لخطيبها في أول يوم من أيام الخطوبة: أنا لست البنت الأفضل من كل البنات اللواتي تعرفت عليهن قبلي، لكن عليك أن تفهم أنني أختلف عن كل هؤلاء البنات في أشياء تخصني وحدي وأول هذا الأشياء أنني أعتبر أن الأهل (خط أحمر) وعليك أن تفهم ذلك جيداً ولا تقترب من هذا الخط بأي حال من الأحوال.

قلت: وما العيبُ في ذلك؟

قال: العيب في ذلك أن خطيبها يفهم من كلامها  هذا أن المقصود بكلمة (أهل) أهله وأهلها فيوافق على ما قالته له في الحال.

قلت: وما الذي تقصده الخطيبة بكلمة أهل؟

قال: هي تقصد أهلها فقط، وهو يقصد أهله وأهلها (ولا يعلم المسكين أنها تقصد بهذه الكلمات أهلها فقط) فيزداد بها إعجاباً لا بل تكبر في عينيه ويعترف لها برجاحة العقل والمنطق.

قلت: ولماذا تشترط الخطيبة على خطيبها مثل هذا الشرط؟

قال: كي تعفي أهلها من كل ذنب أو خطأ قد يحدث منهم في فترة الخطوبة وقبل يوم الزواج.

قلت: هذا سيكون الخيط الأول من خيوط هذه اللعبة فماذا عن الخيط الذي يليه؟

قال: تطلب الخطيبة من خطيبها بعد ذلك أن يكونا اثنين لا ثالث لهما.

قلت: لم أفهم طلبها هذا.

قال: أي أن الخطيبين لا يبوحا بأسرارهما لأي شخص كان مهما كانت درجة قرابته لهما.

قلت: وما الضير في ذلك؟

قال: كي ينفذ الخاطب وصية خطيبته كما نفذها أبو موسى الأشعري عندما خلع صاحبه علياً، وعندما يأتي دورها في التنفيذ لا تنفذ، كما كان قد فعل عمرو بن العاص عندما رفض أن يخلع صاحبه معاوية. تبقي الفتاة على اتصال مع أمها في كل صغيرة وكبيرة تحدث معها وبهذا تكون قد خلعت أهله ووضعت جميع خيوط اللعب في المستقبل بيدها وبيد أمها وخطيبها المسكين تجري من تحته الأنهار.

قلت: هذه ستكون الخطوة الثانية فماذا عن الخطوة التي تليها؟

قال: بعد أن تنتهي من الاحتيال على خطيبها تتفرغ للاحتيال على أهله.

قلت: وكيف يكون لها ذلك؟

قال: تموت في حبهم وتتمنى اللحظة التي فيها ستنضم إليهم، وتود لو كان الأمر بيدها أن تترك بيت أهلها لتسكن معهم، وتطلب من خطيبها موبايلاً جديداً يليق بالاتصال بأمه وأبيه كي تطمئن عليهم أولاً بأول، في الليل والنهار على حد سواء. وتبقى على هذا الحال إلى أن يقتنع أهل خطيبها بأنها ستكون أحسن لهم من ابنتهم التي هي من صلبهم، وخلال هذه الفترة تكون قد أخذت منهم أسرارهم لتنقلها في الحال إلى أمها أولاً بأول.

قلت: لِمَ كل هذا التمثيل من الخطيبة على أهل خطيبها؟

قال: تقوم الخطيبة بالتمثيل على أهل خطيبها كي تتعرف هي وأمها على نقاط الضعف والقوة عندهم كي يتم اختراقها، فتبدأ بنقاط الضعف على الفور، وتؤجل نقاط القوة عندهم ليتم اختراقها في الوقت المناسب مستقبلاً.

قلت: ولِمَ كل هذا اللف والدوران على خطيبها وأهله؟

قال: كل ما تعمله الخطيبة ما هو إلا تحضير لمرحلة ما بعد الزواج، فهي بعملها هذا تكون قد درست كل القوى المؤثرة على خطيبها أثناء فترة الخطوبة وقبل الزواج، ولم يبقَ عليها بعد الزواج إلا أن تقوم بتصنيف وتبويب هذه القوى، وتبدأ في الأضعف وتقوم بتأجيل الأقوى إلى المستقبل حتى يأتي وقته، ولن يهدأ لها بال إلا إذا فكّت اللحام الذي يربط بين زوجها وبين أقوى المؤثرين عليه، ألا وهو في الغالب والده أو أخاه الأكبر. وتبدأ في الدق والطرق والنق على كل صغيرة وكبيرة تحدث بينهما بعد تكبيرها وتسليط الضوء عليها وترديدها بين فترة وأخرى.

قلت: وهل تستطيع هذه الزوجة بعملها هذا أن تُنسي زوجها علاقته مع أهله التي كانت قد استمرت ربع قرن أو يزيد؟

قال: نعم يا سيدي، تستطيع ذلك وبكل سهولة. فبعد الزواج تصبح خرساء لا تتكلم مع أهله، عمياء لا ترى شيئاً جميلاً عندهم، ولا تسمع لهم كلاماً، ولا تدخل معهم في حوار أو نقاش، وتُخرس معها الموبايل الذي كانت قد اشترته من أجل سواد عيونهم، وتبدأ في اختلاق الأعذار كي لا تجالسهم، فاذا كان الوالد مدخناً فستقول أمام زوجها أنها تكره رائحة التدخين، وإذا كان بيت أهله عالياً تقول أنها تحب البيوت الأرضية، وإذا كان البيت أرضياً تقول أنها تحب البيوت العالية، وإذا كان والد زوجها طبيباً فلا تحب أن تتعالج عنده، بل تفضل غيره من الأطباء. وإذا كان والده تاجراً فلا تحب أن تشتري منه وتفضل غيره من التجار، وإذا كان والده قارئ قرآن فلا تحب أن تستمع له، بل تحب أن تستمع لغيره من القُرّاء.

بعد ذلك يأتي دور زوجها، فتبدأ بإسدال الستار على أهله تماماً، وتبدأ في تسريب الأخبار الإيجابية عن أهلها حتى وإن كانوا متواضعين. وتُدخل زوجها في تفاصيل حياتهم اليومية، وتُظهر له حب أمها وأبيها وإخوتها وأخواتها له حتى أنهم لا يستطيعون  العيش بدونه، وتبدأ في تنظيم الزيارات اليومية لهم بحيث لن يتركوه يوماً منفرداً مع نفسه، فإذا لم يحضر هو لزيارتهم هم يحضرون لزيارته.

وتكون هذه الزوجة أثناء جلساتها مع أهلها هي المحور الرئيس، وهناك ينفك لسانها بعد أن كان مربوطاً عند أهله، وتبتسم عيونها، وتطرب آذانها على ما تسمع من كلام قد لا يكون له معنىً لكنه صادر من الأحباب والأصدقاء، فهو غير الكلام الذي تسمعه في بيت أهل زوجها الذي يشبه نعيق البوم وفحيح الأفعى، فيفرح زوجها لفرحها، ومع الأيام يصبح فرداً من أفراد عائلتها، يحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وينسى  أهله ومشاكلهم.

قلت: من حق هذه الزوجة أن تدافع عن نفسها بعد أن تركت أسرتها التي كانت تعيش فيها لتنضم إلى أسرة غريبة عنها لا يربطها بها غير زوجها. ومن الطبيعي جداً أن تشد عليه بالنواجذ إلى أن تنجب منه الأولاد لتشعر بعدها بالأمان ويتغير الحال. لكنك يا صديقي لم تقل لي شيئاً عن معاملة هذه الزوجة لأولادها.

قال: ما قلته يا صديقي ينم عن جهل مطبق في تربية الزوجة لأطفالها فهي تستطيع أن تخلعهم من أسرة والدهم كما تخلع الشعرة من العجين إذا أرادت.

قلت: وكيف لهذه المرأة أن تخلع أولادها من أسرة زوجها إن أرادت بهذه السهولة.

قال: تقوم هذه الزوجة بإخفاء كل الهدايا التي يقدمها أهل زوجها وأقاربهم وأصدقائهم لأولادها فوراً، أو تقوم بإتلافها أو إهدائها لأيٍ كان في الحال. ولا تظهر لأولادها غير الهدايا التي قدّمها لهم أخوالهم وخالاتهم وأمها وأبوها. ولن تكتفي بذلك، بل تربط كل لعبة من لعب أطفالها باسم من أحضرها من أهلها. وبالمقابل، تقطع عن أولادها أخبار أهل زوجها تماماً، فهي لن تحدثهم عن أهل زوجها حتى لو كانوا من الأولياء الصالحين، بل تكثر من الحديث عن أهلها وتعرضهم أمام أولادها وكأنهم هم من يصنعون التاريخ، فيحفظون أسماء أهلها فرداً فرداً، وتسرد على مسامعهم فتوحاتهم وأفعالهم، فيتقمص الأولاد شخصيات أهلها وسلوكهم وأقوالهم. 

قلت: الآن فهمت منك موقفاً كان قد حدث معي أيام التدريس وقد حيرني.

قال: ما هو هذا الموقف؟

قلت: كنت أعلّم طالباً من طلابي على الأولوية في استخدام العمليات الحسابية الأربعة، وكان هذا الطالب لا يميز الأولوية بين عملية الضرب والجمع، فرأيت أن أربط له العم بالضرب والخال بالجمع ظناً مني أن هذا الطالب يعلم علم اليقين أن العم أولى من الخال، وعندما سألته أيهما أولى الخال أم العم؟ قال لي: طبعاً الخال يا أستاذ، وبهذا أعادني إلى المربع الأول. لكنني قبل أن أعود سألته لماذا يكون الخال أولى من العم؟ فأجابني الطالب: أنا يا أستاذ لم أرَ عمي أبداً بعكس خالي فهو إن لم يكن عندنا فنحن عنده.

قال: أستشف من كلامك يا صديقي أنك لا تعرف لعبة التدين والتحجب الجديدة في هذه الأيام. حتى أنك لم تكلف نفسك أن تسأل عن سر هذه البدعة التي ابتدعها لنا دعاتنا الجدد ولاقت استحساناً كبيراً من الزوجات.

قلت: أكيد أن يكون تديّن نسائنا وبناتنا وارتدائهن أنواعاً مختلفة من الحجب والأقنعة والجلاليب طمعاً في دخول الجنة والهروب من النار.

قال: أية جنة يا هذا تحلم فيها بنت العشرين ربيعاً؟ هذه أفكار غريبة عنا وعن مجتمعنا، بثّها المتأسلمون منا كي يقطعوا صلة الرحم بيننا، عندما قالوا للزوجات أن أقارب الزوج هم الحمو فوجدنها فرصة مناسبة لهن لغلق الأبواب في وجوههم، وقمن بفتح الأبواب على مصراعيها أمام أقاربهن بحجة الحلال والحرام. وساعدهم في ذلك من عاشوا في الخليج، فهناك الأسر مفككة والأخ لا يأمن لأخيه، بينما نحن في بلادنا نعتبر ابنة العم من لحمنا ودمنا وعرضنا. 

قلت: وإلى متى يا صديقي ستستمر لعبة هذه الزوجة على زوجها وأهله؟ فهل ستكون لهذه اللعبة نهاية كما كان لها بداية؟ 

قال: اسمح لي يا صديقي أن أقول لك في هذه المرة أنني لا أعرف وقتاً محدداً تنتهي فيه هذه اللعبة. فلكل زوجة وقتها وظروفها وحنكتها، وهذا كله يعتمد بالدرجة الأولى على إتقان الزوجة لدورها، كما يعتمد على نوعية المساعدة التي تتلقاها هذه الزوجة من أمها أو من قريباتها.

قلت: هذا ما كنت أقصده بالضبط يا صديقي، لكنك نسيت أو تناسيت أن التعبير في كثير من الأحيان قد يخون صاحبه.

قال: تنتهي هذه اللعبة يا صديقي عندما تستطيع مثل هذه الزوجة أن تُنسي زوجها الأيام التي كان قد قضاها وعاشها مع أهله، ولن تتركه في حاله إلا بعد أن تجعل منه غريباً لو جلس مع أهله وأقاربه، أو جلسوا هم معه. فهو لم يعد يفهم عليهم ما يقولون، ولا هم يفهمون عليه ما يقول، بعد أن استطاعت زوجته تحويله إلى ببغاء لا يُحدّث إلا بما يسمعه من زوجته وأهلها عن بطولاتها وبطولاتهم وكرمهم وأدبهم ونبل أخلاقهم.

زينة الحياة