بدري عليك يا ولدي


images8SG9A3FE
أصبحت لا أتقن فن المجاملة ولا السير على الحبال

الرجل المسن: الأهم من هذا كله يا ولدي، أن من حولي قد تمكنوا من إقناعي، بأن كل ما كان فيّ جميلا، قد تغير إلى الأسوأ، فلباسي أصبح بالياً وقديماً، وكلامي أصبح قاسياً وغليظاً، وأفهموني فوق ذلك بأنني أصبحت لا أتقن فن المجاملة، ولا لعبة المداهنة، ولا السير على الحبال، ولا أتقن استخدام التكنولوجيا السائدة، فأنا لا أجيد استخدام  جهاز الكمبيوتر، بالتالي لا أستطيع أن أتواصل مع الناس من خلال الإنترنت، وبالتالي لست عضواً في جماعة الفيسبوك، فلا يعرفني أحد من جيل هذه الأيام، ولم أُغرّد على تويتر في يوم من الأيام، ولم أعد أميّز بين نانسي عجرم وهيفاء وهبي، ولم أعد قادراً على مشاهدة مباريات كرة القدم، فأنا لا يهمني من الفائز: مدريد أم برشلونة؟ باختصار شديد يا ولدي، فأنا لم أعد قادراً على مجاراة من هم حولي في هذه الأيام. 

ختيار-فلسطيني-466x330
هل لك يا شيخ مثيلاً في البيوت الأخرى؟ 

وما أن أنهى الشيخ حديثه، حتى أصبح صاحبنا قلقاً على مستقبله في الأيام القادمة، مما كان قد سمعه من هذا الرجل المسن الخبير في شؤون الناس والحياة، فأراد صاحبنا أن يطمئن على مستقبله من رجل يراه أمامه، حكيماً في كل شأن من شؤون الحياة، فقطع عليه حديثه بسؤال  صغير وأصر على الحصول على إجابة لهذا السؤال من هذا الشيخ الحكيم في الحال، فقال له صاحبنا: هل لك يا شيخ، مثيلاً في البيوت الأخرى، أم أن هذه المشكلة التي كنت قد حدثتني عنها، تخصك وحدك، وتخص بيتك وحده، وأهلك وحدهم؟. 

10641122_545114268962774_482384008948697277_n
وهذه المشكلة مشكلة عامة تخص الجميع

الرجل المسن: هذه المشكلة التي حدثتك عنها يا ولدي، لا تخصني أنا وحدي، وليست حكراً على بيتي وحده، دون غيره من البيوت العربية الأخرى، بل هي مشكلة أصبحت موجودة في كل بيت عربي، من المحيط إلى الخليج، شئتم أم أبيتم، لكن الكثير منكم يتناساها ويتجاهلها، فهناك رجل مسن، أو امرأة مسنة مثلي، في كل بيت من البيوت التي تراها مصفوفة من يمينك ومن شمالك، لكن الناس يا ولدي، تعودوا على أن يتعاموا عن المشكلة، ويقومون بتأجيلها وترحيلها للمستقبل، ظناً منهم، أن تأجيل أو ترحيل المشكلة يعني حلها. 

Maison_en_intemp_rie
وهذه المشكلة لا تخص الفقراء وحدهم

صاحبنا: حتى ولو كان هذا الرجل المسن يعيش في قصر فخم أو منزل جميل؟. 

الرجل المسن: إعلم يا ولدي، إن كنت لا تعلم، أن هذه المشكلة التي أصبحت كل مجتمعاتنا العربية من المجيط إلى الخليج، تعاني منها الأمرّين، لا تخص الفقراء والمساكين وحدهم، بل هي أصبحت في هذه الأيام مشكلة عامة، موجودة في كل بيت عربي، سواء كان هذا البيت كوخاً حقيراً، أو قصراً فخماً جميلاً، لكن لكل بيت من هذه البيوت مشكلته الخاصة به، وقصته وحكايته مع هؤلاء المسنين.

images1
بدري عليك يا ولدي فالموت الحيّ آتٍ لا محالة

صاحبنا: أرجوك أن لا تعمم يا سيدي فبيتي على الأقل لا يوجد به أموات من الأحياء. 

الرجل المسن: ضحك الرجل بشئ من الإستهزاء من سؤال صاحبنا هذا وقال: بدري عليك يا ولدي، لا تحسد نفسك، ولا تستعجل موتك الحيّ، فالموت الحي آتٍ لا محالة، لكل مسن في عمري، وليس في عمرك، فأنت الآن ما شاء الله لا زلت قوياً، وفي صحة جيدة، لا بل أنت لست بحاجة لمن هم حولك، بل على العكس تماماً هم الذين يحتاجونك، ولا تنس يا ولدي حكمة الله في خلقه، فالله يميت الشخص منا وهو حيّ، كي يطلب هذا الشخص الموت من ربه بنفسه، ومن غير ذلك، فلا أحد منا سيطلب من ربه الموت.

بدري عليك يا ولدي

أضف تعليق