جندي السيطرة يطلب سيجارة بدلاً من الهوية


المكان : الكويت

الزمان : أغسطس 1990 إلى فبراير 1991

untitled59
المدخنون عادة هم الفئة الأكثر تأثراً بالحروب

عندما تقرع أجراس الحرب تبدأ القوانين التي كانت سائدة بالزوال تدريجياً وتحل الأنانية بدلاً منها بين الناس وتتغير النفوس ويصبح الشعار السائد بينهم:اللهم أسألك نفسي والمدخنون عادة هم الفئة الأكثر تأثراً بين فئات المجتمع بالحروب وما أن يستشعروا بقدومها حتى يسيحون في الأرض بحثاً عن مزيد من السجائر لتخزينها للأيام القادمة والتي لا يعرف أحد نهاية لها ويستغلّ الباعة غياب الرقابة الحكومية والحالة النفسية للمدخنين ويُغيّبون الرقابة الإلهية على أنفسهم ويقومون بإخفاء السجائر ليرفعوا سعرها لأنهم يعتقدون أنهم مهما رفعوا من سعرها فهناك من سيدفع ويشتريها.

imagesCADUMQY3
وصلت شحنة من السجائر الهندية 

هكذا أصبحت حياتنا في الكويت بعد 2 أغسطس 1990 الناس تشتري لتخزن والباعة يُخفون البضاعة لكي يرفعوا سعرها بدون رقيب أو حسيب والباعة يرفضون بيع كل ما عندهم على أمل أن يحصلوا على سعر أعلى في المستقبل استمرت هذه الحالة على ما هي عليه إلى أن جاء وقت اختفت فيه السجائر تماماً من الكويت بقينا على هذا الحال إلى أن وصلت شحنة من السجائر الهندية وهي ليست كالسجائر في شيء إلا في اسمها إلا أنها بيعت بأسعار خيالية بعد نفاذها وصلت شحنة من السجائر القبرصية المنتهية مدة صلاحيتها فهي كالعيدان في صلابتها جافة كأنها خرجت من الفرن الآن رائحة الرطوبة تخرج منها وكأنها كانت في منجم واستغل الباعة الظروف وباعوها حتى وصل سعر العلبة منها عشرون ديناراً. 

imagesCASBX4H2
أعطيت الممرض كل ما عندي من سجائر 

أما نحن الذين بقينا في الكويت ولم نخرج منها فكنا بدون عمل نجتمع ليلاً في إحدى الشقق ليروي كل واحد منا قصة صراعه اليومي مع الحياة فقد صغرت أحلامنا وأصبحنا مشغولين في تدبير لقمة العيش ليس إلا في أحد هذه الأيام روى لنا مُمرّض يعمل في مستشفى الأمراض العقلية أن مريضاً أعمى يضع إصبعه في فم مريض آخر مثله ويوهمه بأن إصبعه سيجارة ويُصدق الأعمى ذلك ويدخن إصبع صاحبه على أساس أنه سيجارة تأثرت في هذا الموقف وسألت المُمرض عن عدد المدخنين عنده فأجاب الممرض:حوالي الأربعين فأعطيته كل ما عندي من سجائر عن طيب خاطر كي يعطي كل مريض سيجارة!.

21a-na-122191
نصب الجيش العراقي نقاط تفتيش في كل مكان 

وفي هذه الظروف الصعبة نصب الجيش العراقي نقاط تفتيش في كافة الطرق لدواعٍ أمنية كما كانوا يزعمون وعندما كنت أقف أمام جندي نقطة التفتيش ويرى أنني أحمل سجائر يطلب مني واحدة بدلاً من أن يطلب هويتي الشخصية فأعطيه مُكرهاً – لا كما أعطيت المرضى في مستشفى الأمراض العقلية – وأذهب للنقطة التي بعدها فيطلب هو الآخر سيجارة فأعطيه وهكذا إلى أن أصل البيت فأكون قد أنهيت كل سجائري.

untitled
أصفط على اليمين وإفتح الدبة 

أما إذا حاولت إخفاء سجائري عنهم فلن أستطيع إخفاء أسناني التي تكشف أنني مدخن وعندما أقترب من نقطة التفتيش يطلب مني الجندي الواقف سيجارة فإذا قلت له:لا أدخن فينظر إلى أسناني فيعلم أني غير صادق معه عندها يقول لي:اصفط على اليمين وافتح الدّبة والجيبة أي قف على اليمين وافتح صندوق السيارة والمحفظة الأمامية ولا يُفتش سيارتي كما هي وظيفته بل يفتش عن سجائري!فإذا وجدها يطلب مني واحدة فأعطيه مُجبراً أما إذا لم يجد ما يبحث عنه فستبقى واقفاً على يمين الطريق إلى أن يُجبرك على التدخين فتدخن وعندها سيطلب منك سيجارة ويقول لك:مع السلامة عيني في أمان الله وفي حال عاندت ولم تدخن في فترة الوقوف الإجباري هذه فأنت بذلك قد وضعت نفسك مع أعداء الأمة العربية وعليك أن تتحمّل النتائج المُترتبة على ذلك!.

مشاهد عراقية بعيون فلسطينية من حرب الخليج

أضف تعليق