القادم من الأيام


untitled132
لكنهما اليوم يتحاوران عن الخبز والحليب والرز والسكر

في الصباح الباكر صحوت على أبي وأمي وهما يتحاوران لكن حوارهما هذه المرة يختلف عن ما سبقه من حوارات سابقة فكنت أسمعهما يتحاوران عن المستقبل وعن تعليم الأبناء وعن تحقيق الأمنيات الصغيرة والكبيرة لكنهما اليوم يتحاوران عن الخبز والحليب والرز والسكر والسمن ولم أسمع بمثل هذه الكلمات سابقاً فقد كانت الحياة سهلة والحاجات كلها متوفرة والذي لفت إنتباهي أكثر من غيره هو أنهم لم يتكلموا عني ولا عن شراء ألعابي التي عودوني عليها في السنين السابقة فقلت في نفسي:لقد نسيني أهلي وأصبحت خارج إهتماماتهم.

download
شركة مطاحن الدقيق والمخابز اتلكويتية

تطور الأمر أكثر إلى الأسوأ وأصبح الوضع يميل إلى الصعوبة أكثر وأكثر حتى أنني أصبحتُ لا أرى أهلي ولا أجتمع بهم في ساعات النهار لأنهم أصبحوا يقضون يومهم مصطفين في الطوابير الطويلة لشراء الخبز من شركة المخابز الكويتية بعد أن استولى على إدارتها العراقيون وما أن يصل والدي  ووالدتي البيت حتى تكون الوقفة قد هدّت قواهم فيأكلون وينامون. 

download (1)
المحلات التجارية تحولت إلى بسطات في الشوارع

أما أنا عندما رأيت أهلي قد انشغلوا عني وجدتها فرصة سانحة لي كي أقوم بأعمال لم يكن مسموحاً لي القيام بها في الأيام السابقة لا بل كانت ممنوعة عني ففي هذه الأثناء كان قد حضر إبن الجيران وشرح لي خطة تجعله يصبح من الأغنياء فقال لي إذهب معي إلى السوق كي أبيع غرضاً من بيتي وأربح به وبعدها سأشتري غرضاً غيره من السوق وأبيعه  ثانية وأربح به أيضاً وما هي إلا أشهر قليلة حتى أصبح تاجراَ وأستغني بذلك عن المدرسة ومشاكلها فما كان مني إلا أن وافقته في الحال وذهبت معه دون أن أحسب النتائج المترتبة على ذلك.

scan11033
قرعت الباب قبل أن أفتحه كي أتأكد من وصول أهلي

حضر الأهل ولم يجدوني في البيت فجن جنونهم واحتاروا في الأمر فهذه أول مرة أغادر فيها البيت بدون إذن من أهلي لأنني كنت أراهن مع نفسي أن أذهب وأعود إلى البيت قبل حضورهم ومع هذا قمت بقرع الباب قبل أن أفتحه كي أطمئن على عدم حضورهم قبلي فوجدتهم قد سبقوني وبدل أن أفتح الباب أنا سبقوني وفتحوا لي الباب هم وابتدأ التحقيق فوراً:مع من ذهبت؟وإلى أين ذهبت؟ولماذا ذهبت؟وكيف ذهبت؟إلى أن إنتهى هذا التحقيق بعقاب بدني لن أنساه ما حييت عندها فقط إكتشفت أن الأهل قد يضربون إبنهم.

image%20(1).jpg
لعب الشدة

بعد هذه الحادثة وما صاحبها من عقاب بدني ومعنوي صحوت من غفوتي تلك وبدأت أدرك ما نحن به وأصبحت أساعد أمي في ترتيب البيت في حال غيابها أو حضورها وأعمل ما أستطيع من الأعمال المنزلية لمساعدتها لكنني بالمقابل كنت قد أخذت ضوءاُ أخضراً من الأهل أن ألعب مع أصحابي وأولاد الجيران في غيابهم ولكن داخل البيت فقط وفي هذه الأثناء كنت قد تعلمت من أولاد الجيران قراءة الروايات البوليسية ولعب الورق بأنواعه ولعبة طاولة الزهر وأصبحت أجيد هذه الألعاب وأتقنها على الرغم أنني لم أر والدي يوماً قد لعبها في حياتي.

مذكرات طفل عربي فلسطيني عن حرب الخليج

أضف تعليق