
في الصباح الباكر صحوت على أبي وأمي وهما يتحاوران لكن حوارهما هذه المرة يختلف عن ما سبقه من حوارات سابقة فكنت أسمعهما يتحاوران عن المستقبل وعن تعليم الأبناء وعن تحقيق الأمنيات الصغيرة والكبيرة لكنهما اليوم يتحاوران عن الخبز والحليب والرز والسكر والسمن ولم أسمع بمثل هذه الكلمات سابقاً فقد كانت الحياة سهلة والحاجات كلها متوفرة والذي لفت إنتباهي أكثر من غيره هو أنهم لم يتكلموا عني ولا عن شراء ألعابي التي عودوني عليها في السنين السابقة فقلت في نفسي:لقد نسيني أهلي وأصبحت خارج إهتماماتهم.

تطور الأمر أكثر إلى الأسوأ وأصبح الوضع يميل إلى الصعوبة أكثر وأكثر حتى أنني أصبحتُ لا أرى أهلي ولا أجتمع بهم في ساعات النهار لأنهم أصبحوا يقضون يومهم مصطفين في الطوابير الطويلة لشراء الخبز من شركة المخابز الكويتية بعد أن استولى على إدارتها العراقيون وما أن يصل والدي ووالدتي البيت حتى تكون الوقفة قد هدّت قواهم فيأكلون وينامون.

أما أنا عندما رأيت أهلي قد انشغلوا عني وجدتها فرصة سانحة لي كي أقوم بأعمال لم يكن مسموحاً لي القيام بها في الأيام السابقة لا بل كانت ممنوعة عني ففي هذه الأثناء كان قد حضر إبن الجيران وشرح لي خطة تجعله يصبح من الأغنياء فقال لي إذهب معي إلى السوق كي أبيع غرضاً من بيتي وأربح به وبعدها سأشتري غرضاً غيره من السوق وأبيعه ثانية وأربح به أيضاً وما هي إلا أشهر قليلة حتى أصبح تاجراَ وأستغني بذلك عن المدرسة ومشاكلها فما كان مني إلا أن وافقته في الحال وذهبت معه دون أن أحسب النتائج المترتبة على ذلك.

حضر الأهل ولم يجدوني في البيت فجن جنونهم واحتاروا في الأمر فهذه أول مرة أغادر فيها البيت بدون إذن من أهلي لأنني كنت أراهن مع نفسي أن أذهب وأعود إلى البيت قبل حضورهم ومع هذا قمت بقرع الباب قبل أن أفتحه كي أطمئن على عدم حضورهم قبلي فوجدتهم قد سبقوني وبدل أن أفتح الباب أنا سبقوني وفتحوا لي الباب هم وابتدأ التحقيق فوراً:مع من ذهبت؟وإلى أين ذهبت؟ولماذا ذهبت؟وكيف ذهبت؟إلى أن إنتهى هذا التحقيق بعقاب بدني لن أنساه ما حييت عندها فقط إكتشفت أن الأهل قد يضربون إبنهم.
