في احدي قرى فلسطين ولد بعد أن حطت الحرب العالمية الأولى أوزارها ولم يولد كغيره على يد قابلة قانونية وكانت تسمى الداية بل ولدته أمه بينما كانت تحصد القمح مع زوجها في سفح أحد الجبال المُطلة على قريتهم بعد أن تقاسما العمل فيما بينهم حيث أخذ كل منهما مكانه في الحقل الجبلي الذي يتكوّن من قطع صغيرة من الأرض طولها أكبر كثيراً من عرضها حتى أن القطعة الواحدة لا تتسع للاثنين معاً فضرورات العمل تقتضي أن يكون كل واحد منهما في مكان وبعد ساعة من بدء العمل جاءها الطلق فلم تخبر زوجها بذلك بل تنحّت جانباً وولدت مولودها بكل سهولة ويسر لأنها لم تدلل جسمها في فترة الحمل.

لكنها احتارت بكيفية فصل مولودها عن جسمها فلم تجد غير حجر صوان بجانبها تناولته وقصت به الحبل السري الذي يربطها بجنينها بعد أن خرج من بطنها دون إذنها بعد ذلك ملأت قبضة يدها بأغصان شجرة مرمية وجدتها بالقرب منها وبدأت في تنظيف ما علق بالولد دون أن تنتبه لنفسها وبدأت في تنظيف جسمه مما علق به من هذه الرحلة ولفته بعباءتها وحملته بين يديها وبشرت زوجها بأنه أصبح أباً بعد هذه اللحظة ابتسم زوجها وحمد الله على سلامة زوجته ومولودها وهمس في نفسه دون أن يُسمع زوجته الحمد لله ارتحنا من أجرة الداية ومن إحضارها من بيتها وإعادتها إليه ثانية وعليه فقد أنهى زوجها العمل في ذلك اليوم ابتهاجاً بقدوم المولود الجديد.

حملته أمه بين يديها وحملت فوق رأسها حزمة أو كتة من القمح أما زوجها فحمل ما تبقى من أدوات العمل وسارت بمولودها إلى البيت مسرورة لا بقدومه فحسب بل لأنها أصبحت الآن أقوى من ذي قبل بعد أن أفرغت حمولتها وفي الطريق سألته زوجته عن أمنياته لهذا المولود فقال: كنت أتمنى أن يكون معي شهادة علمية كي تحسن من حياتي لكنني لم أستطع الحصول عليها فعوضني الله زوجتي بدلاً منها وأنا لن أضمن له زوجة مثلك لهذا أتمنى له أن يحصل على الشهادة التي عجزت في الحصول عليها.
كبر هذا المولود ودخل كتاب القرية وبعد أن تعلم القرآن والحساب واللغة العربية أراد والده أن يبعثه إلى المدينة كي يكمل تعليمه فيها لكن الولد كان قد فضل أن يشتري له والده فرساً لأنه عشق الأرض وأحبها وبقي وفيّاً لها فهي التي تطعمه إذا جاع وهي التي تعطيه المكانة الاجتماعية مثلها مثل التعليم فالرجل كان يُقاس بما يملك من الأرض المزروعة وهكذا كان وكانت الفرس التي اشتراها له والده فرساً أصيلة قوية وبعد أن تعودت عليه وتعوّد عليها وأصبح يحادثها إذا لم يجد من يُحدثه وكان يُحدثها عن أي شئ أحوال الطقس غداً وخطة العمل اليومية وعن الموسم القادم وعن كمية الأمطار التي نزلت هذا العام إلى أن أصبح كل منهما يفهم الآخر بدون كلام.
