صاحبُ الفرس


1210147في احدي قرى فلسطين ولد بعد أن حطت الحرب العالمية الأولى أوزارها ولم يولد كغيره على يد قابلة قانونية وكانت تسمى الداية بل ولدته أمه بينما كانت تحصد القمح مع زوجها في سفح أحد الجبال المُطلة على قريتهم بعد أن تقاسما العمل فيما بينهم حيث أخذ كل منهما مكانه في الحقل الجبلي الذي يتكوّن من قطع صغيرة من الأرض طولها أكبر كثيراً من عرضها حتى أن القطعة الواحدة لا تتسع للاثنين معاً فضرورات العمل تقتضي أن يكون كل واحد منهما في مكان وبعد ساعة من بدء العمل جاءها الطلق فلم تخبر زوجها بذلك بل تنحّت جانباً وولدت مولودها بكل سهولة ويسر لأنها لم تدلل جسمها في فترة الحمل.

untitled50
المرمية

لكنها احتارت بكيفية فصل مولودها عن جسمها فلم تجد غير حجر صوان بجانبها تناولته وقصت به الحبل السري الذي يربطها بجنينها بعد أن خرج من بطنها دون إذنها بعد ذلك ملأت قبضة يدها بأغصان شجرة مرمية وجدتها بالقرب منها وبدأت في تنظيف ما علق بالولد دون أن تنتبه لنفسها وبدأت في تنظيف جسمه مما علق به من هذه الرحلة ولفته بعباءتها وحملته بين يديها وبشرت زوجها بأنه أصبح أباً بعد هذه اللحظة ابتسم زوجها وحمد الله على سلامة زوجته ومولودها وهمس في نفسه دون أن يُسمع زوجته الحمد لله ارتحنا من أجرة الداية ومن إحضارها من بيتها وإعادتها إليه ثانية وعليه فقد أنهى زوجها العمل في ذلك اليوم ابتهاجاً بقدوم المولود الجديد. 

images
أنهى عمله بعد أن ولدت زوجته

حملته أمه بين يديها وحملت فوق رأسها حزمة أو كتة من القمح أما زوجها فحمل ما تبقى من أدوات العمل وسارت بمولودها إلى البيت مسرورة لا بقدومه فحسب بل لأنها أصبحت الآن أقوى من ذي قبل بعد أن أفرغت حمولتها وفي الطريق سألته زوجته عن أمنياته لهذا المولود فقال: كنت أتمنى أن يكون معي شهادة علمية كي تحسن من حياتي لكنني لم أستطع الحصول عليها فعوضني الله زوجتي بدلاً منها وأنا لن أضمن له زوجة مثلك لهذا أتمنى له أن يحصل على الشهادة التي عجزت في الحصول عليها. 

download (2)كبر هذا المولود ودخل كتاب القرية وبعد أن تعلم القرآن والحساب واللغة العربية أراد والده أن يبعثه إلى المدينة كي يكمل تعليمه فيها لكن الولد كان قد فضل أن يشتري له والده فرساً لأنه عشق الأرض وأحبها وبقي وفيّاً لها فهي التي تطعمه إذا جاع وهي التي تعطيه المكانة الاجتماعية مثلها مثل التعليم فالرجل كان يُقاس بما يملك من الأرض المزروعة وهكذا كان وكانت الفرس التي اشتراها له والده فرساً أصيلة قوية وبعد أن تعودت عليه وتعوّد عليها وأصبح يحادثها إذا لم يجد من يُحدثه وكان يُحدثها عن أي شئ أحوال الطقس غداً وخطة العمل اليومية وعن الموسم القادم وعن كمية الأمطار التي نزلت هذا العام إلى أن أصبح كل منهما يفهم الآخر بدون كلام. 

imagesGDFWSDKT
ملبن

وفي بداية الموسم زرع أرضه قمحاً وفولا وعدساً ولم ينس فرسه أيضاً فقد زرع لها الشعير والبرسيم ليطعمها وبدأ ينتظر موعد الحصاد على أحرّ من الجمر وجهز أقواسه ليصيد بها العصافير في موسم التين كي تضع له أمه العصفور كاملاً في قطعة عجين ثم تضعها في الطابون وجهز الخوابي التي سيضع القطين فيها ووضع عناقيد العنب في زجاجات لينضج العنقود في داخلها ويُحيّر به أهل قريته في كيفية دخول عنقود العنب في زجاجة؟وفي موسم العنب أيضاً كان يبيعه ويشتري بثمنه ما يحتاجه من أشياء وما يزيد يصنع منه ملبناً يأكله في الشتاء البارد. 

الحصان الأبيض

أضف تعليق