
جيلنا جيل النكسة والهزيمة لم يع نكبة عام 1948 وما خلفته من مآسي وأحزان لأننا كنا أطفالاً صغاراً أو في بطون أمهاتنا!لكننا رضعنا نتائجها مع حليب أمهاتنا!فقد كان هذا الحليب ممزوجاً بالهمّ والغمّ والحزن والنكد!وبعد أن خرجنا لهذه الحياة غصباً لم يفرح أحد بمولدنا وقدومنا!لأن ما كان عند أهلنا وعند الناس يكفيهم من نزق الحياة وشظف العيش!والأهم من ذلك كله أن جيلنا هو الجيل الوحيد الذي كان عليه أن يساعد آبائه ثم يساعد نفسه ثم يساعد أولاده!.

أما نكسة عام 1967 فعشناها شباباً جعلتنا نبدو أكبر من أعمارنا بكثير بعد أن حرّمنا على أنفسنا زينة الشباب!وأصبحنا كباراً في غير الأوان!عندما شخّصنا أمراض الأمة!فوجدناها مُثلثاً مختلف الأضلاع أضلاعه الفقر والجهل والمرض!فعقدنا العزم على إزالة هذا المثلث الكريه من الوجود!وقلنا إذا لم نستطع فسنحوله إلى زاوية أو إلى نقطة على الأقل!وانطلقنا وانتشرنا في كل بقعة من بقاع الوطن العربي الكبير نحملُ شعارنا الأبدي:بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان ولم نكن نسعى وراء المال كما إعتقد البعض أو أراد الاعتقاد!.

لو أنك أمعنت النظر جيداً لرأيت الشعب الفلسطيني في ذاك الوقت قد تحوّل في مُعظمه إلى مُدرسين وأطباء وفنيين في جميع المجالات والتخصصات وليس إلى مُقاولين أو سماسرة أو قطاع طرق!فلوّنا الأرض العربية بالأخضر بعد أن كانت جرداء!واستصلحنا أراض كانت فيما مضى صحراء!وعززنا الإنتماء للأرض وللوطن!وفتحنا المدارس والجامعات والمستشفيات!وأسسنا الشركات والمصانع والبنوك!وأنرنا شوارع كانت معتمة بالكهرباء!والأهم من ذلك كله أننا غيّرنا قيماً سلبية كانت سائدة في ذلك الوقت!فلم يكن الإنسان العربي لا يحبّ العمل فحسب وإنما كان يستعيبُه!فالفلاحة مثلاً عيب في شرع بعض العرب يُعاقب صاحبها بعدم مُصاهرته!.

أما المُدرسون منا فقد طاردوا الجهل والسحر والخرافة والعصبية والتعصب والإقليمية والطائفية!ونشروا الوعي والتفكير والأخلاق والمساواة والعدل والعدالة والأنفة والقدوة الحسنة!والتمرد على الواقع أحياناً!إلى أن أصبح لهم أتباع ومُريدون!ونادراً ما كنت تجد قرية في الوطن العربي لم يدخلها مُدرّس فلسطيني!وانقسم إخواننا العرب حولهم إلى قسمين:قسم يُطالبُ حكوماته باستحداث مُخيم للفلسطينيين في أيّ مكان يرغبون في تطويره! والقسم الآخر كان يطالبها بإبعاد الفلسطينيين من بلادهم لأنهم ساعدوا في تطوير الشعوب أكثر مما ينبغي!.
