
مذْ كنت طفلاً صغيراً في السن، وأنا أحب أن أفكر وأدقق وأبحث في كل ما أسمع أو أرى أو أتكلم، فكنت إذا سمعت قولاً لأحد الأشخاص، أعرضه أولاً على عقلي، فإذا قبله عقلي أخذت به، وإذا رفضه عقلي أرفضه، مهما كان قائله. وفي أحد أيام الطفولة، وبعد أن شربت كأساً من الحليب الطازج، وأعجبني طعمه، سألت أمي على الفور: من أين لكم هذا الحليب يا أمي؟فقالت: الحليب يا ولدي، يأتينا من الأغنام، واكتفت بهذا الجواب فقط، فصار لزاماً عليّ أن أبحث عن هذه الأغنام، لأرى بنفسي، كيف تعطينا مثل هذا الحليب الرائع؟.

في اليوم التالي، شاهدت قريباً لي من بعيد، قادماً من المرعى، ومعه أغنامه، فاقتربت منه أكثر، كي أرى وأتفحص الأغنام عن قرب، وكان أول ما لفت إنتباهي في أغنام هذا الرجل، هو إختلاف ألوانها، فكان منها الأبيض، ومنها الأحمر، ومنها الأسود، وعندما دققت النظر أكثر، وجدت إختلافاً كبيراً في مؤخرة كل نوع من هذه الأنواع: فالأغنام البيضاء «النعاج»، كانت مستورة العورة، أما الأغنام الحمراء «الماعز»، فكانت عوراتها مكشوفة للعيان، عندها نسيت الحليب، وانشغلت في شئ آخر، فسألت قريبي عن سر هذا الإختلاف البيّن بينهما فقال: أثناء مطاردة الكفار لرسول الله محمد، كان قد إختبأ بين الماعز، فتفرقن عنه، وكشفنه لأعدائه، فغضب الله عليهن، وعاقبهن عقاباً أبدياً، بأن كشف عوراتهن للملأ.
