
ما أن يقترب موعد أذان المغرب في كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك حتى يكون الجوع ومعه العطش قد هدّني وأخذا مني كل مأخذ، فأحاول أن أتغلب عليهما بالنوم، لأكتشف سريعاً أنه لا نوم لجائع أو عطشان. ولما بحثت عن حلٍ لما أنا فيه، قمت بالمشي والتسكع في الشوارع ومراقبة الناس وهم في سياراتهم متجهين إلى أماكن فطورهم، وأصبحت هذا المشوار عندي يومياً لا بد من أن أذهبه في كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك، وحتى أذان المغرب.

غير أن شيئاً غريباً هذا العام كان قد لفت انتباهي في هذا الشهر المبارك ألا وهو (زحمة السيارات) المتواجدة في الشوارع قُبيل لحظة الإفطار وكثرتها، والأصل في الأشياء أن تكون شوارعنا وطرقنا خالية من السيارات والمارة قُبيل لحظة الإفطار بساعة واحدة على الأقل، وهذا يعني أن هناك سبباً ما لذه الزحمة قبيل آذان المغرب من كل يوم، ومن باب الفضول وحب المعرفة يجب عليّ اكتشافه والتعرف عليه.

بعد أن راقبت هذا الموقف عن كثب لأيام متتالية اكتشفت أن (المرأة) هي السبب الوحيد في خلق هذه الزحمة المرورية اليومية في هذا الشهر المبارك، فالمرأة يا سادة يا كرام في رمضان يُغيَّرون من إسمها الحقيقي لتأخذ بدلاً منه أسماء عديدة منها (الأم) و(البنت) و(الأخت) و(الخالة) و(العمة) و(الجدة) و(الحماة) و(الكنة) و(السّلفة) وغير ذلك من الأسماء (الحسنى) الكثيرة التي تكون (مُختفية) قبل شهر رمضان المبارك ويُظهرون لها كل هذه الأسماء مرة واحدة في هذا الشهر الفضيل.

فالكل يكتشف فجأة أن له (أماً) أو (أختاً) أو (خالة) أو (عمة) أو (جدّة) عليه أن يصلها ويكرمها في رمضان فقط! وأسهل طريقة لصلة الرحم في هذه الأيام هي أن (يولم) لها وليمة ليس لها أول من آخر، فهي الوليمة الوحيدة التي يقيمها لها في السنة. وما أن يهلّ هلال رمضان على النساء في بلادنا العربية حتى تجد أن كل واحدة منهن فتحت لها (أجندة) خاصة بها لتسجل فيها ما لها وما عليها من عزايم في رمضان، وتقوم بترتيبهن حسب الأولوية.

والمرأة بشكل عام في شهر رمضان المبارك ستكون إما (عازمة) أو (معزومة)، فإذا كانت معزومة عند (أمها) أو (أختها) أو (خالها) أو (عمها) أو (أخيها) فتستأذن زوجها في حوالي الساعة الثانية من بعد ظهر ذلك اليوم كي تذهب عند من عزموها كي تساعدهم في تجهيز مائدة الإفطار لتبهر بها زوجها عند وصوله إلى المكان المتواجدة فيه، ولتعرض عليه (كرم) أهلها أو من كان قد عزمها في ذلك اليوم.

أما إذا كانت هذه المرأة معزومة عند (حماتها) أو (سلفتها) أو أحدٍ من أهل زوجها فتخرج من بيتها قبل أذان المغرب بخمسة دقائق فقط، وعندما تصل بيت من عزمها من أهل زوجها تصل متأخرة عن موعد الإفطار (متعمدة) كي لا تساعد من عزمها في تحضير المائدة، وتعزوا سبب تأخرها هذا إلى زحمة السيارات في الشوارع. وعندما يبدأ الصائمون الأكل لا تريد أن تأكل معهم ولا أن تجاملهم لكنها مضطرة على ذلك فماذا ستفعل مثل هذه الزوجة يا ترى، فهي تعلم أن الكل يراقب الكل.

على الفور تستدعي شيئاً من كيد النساء وشيئاً من الدهاء الذي أنعمه الله عليها بالفطرة كي تستخدمه عند اللزوم، وتبدأ بالتمثيل على من هم حولها بعد أن تقلد العصفورة في طريقة أكلها، فتلاحظها (حماتها) أو (سلفتها) على الفور، فلا أحد يكتشف سلوك المرأة إلا امرأة مثلها، فتطلب منها أن تأكل أكثر وأكثر لتتذرع صاحبتنا بالدايت الذي تسير عليه من مدة ليست بالقصيرة، ولا تستطيع أن تقطعه في هذه العزومة تحديداً.

وعندما يطلب الرجل من زوجته تحديد موعد لعزومة (أهله) تبدأ الزوجة بالتهرب، والتأجيل. وعندما يلحّ عليها زوجها أكثر فأكثر، تقول له بأنها لا تستطيع أن تطبخ لمثل هذا العدد الهائل من أهله، وعليه يجب عليه أن يحضر أكلهم من أحد المطاعم المشهورة، وأن لا ينسى أن يحضر معه سدر الكنافة، والفواكه بأنواعها، والقطايف، ولا ينسى كذلك أن يحضر معه شراب السوس والخروب، والعصير بأنواعه، لأن بيتها يخلو من أية مواد غذائية، على عكس ما يحدث عندما يتم تحديد موعد عزومة أهلها.

وعندما يصل أهل زوجها لبيتها وقت طعام الإفطار تبدأ الزوجة في الشكوى والتذمر لهم عن ابنهم، فهو الذي يمنعها من إعداد الطعام لهم بيديها وهو الذي كان قد أحضر كل هذا الأكل من المطعم دون أن يُعلمها بذلك، وعلى الفور تقوم بوضع كل ما كانت قد طلبته من زوجها مرة واحدة على الطاولة وعندما يبدؤون في الأكل لا تأكل معهم لأنها لا تحب الأكل الجاهز، فهي لا تثق بنظافته وما أن ينتهوا من أكلهم حتى تبدأ بالصراخ والصياح على أولادها وتأمرهم بالدخول إلى غرفهم الخاصة للنوم المبكر كي يصحوا صباحاً إلى مدارسهم في الغد وتصبح بعد ذلك خرساء لا تتكلم.
